فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أعرضتم عن تذكيري. فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ يوجب توليكم لثقله عليكم واتهامكم إياي لأجله، أو يفوتني لتوليكم. إِنْ أَجْرِيَ ما ثوابي على الدعوة والتذكير. إِلَّا عَلَى اللَّهِ لا تعلق له بكم يثيبني به آمنتم أو توليتم. وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ المنقادين لحكمه لا أخالف أمره ولا أرجو غيره.
فَكَذَّبُوهُ فأصروا على تكذيبه بعد ما ألزمهم الحجة وبين أن توليهم ليس إلا لعنادهم وتمردهم لا جرم حقت عليهم كلمة العذاب. فَنَجَّيْناهُ من الغرق. وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وكانوا ثمانين. وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ من الهالكين به. وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا بالطوفان. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ تعظيم لما جرى عليهم وتحذير لمن كذب الرسول صلّى الله عليه وسلّم وتسلية له.
[[سورة يونس (١٠) : آية ٧٤]]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤)
ثُمَّ بَعَثْنا أرسلنا. مِنْ بَعْدِهِ من بعد نوح. رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ كل رسول إلى قومه. فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات الواضحة المثبتة لدعواهم. فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا فما استقام لهم أن يؤمنوا لشدة شكيمتهم في الكفر وخذلان الله إياهم. بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ أي بسبب تعودهم تكذيب الحق وتمرنهم عليه قبل بعثه الرسل عليهم الصلاة والسلام. كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ بخذلانهم لانهماكهم في الضلال واتباع المألوف، وفي أمثال ذلك دليل على أن الأفعال واقعة بقدرة الله تعالى وكسب العبد وقد مر تحقيق ذلك.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧٥ الى ٧٦]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦)
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد هؤلاء الرسل. مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا بالآيات التسع.
فَاسْتَكْبَرُوا عن اتباعهما. وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ معتادين الإجرام فلذلك تهاونوا برسالة ربهم واجترءوا على ردها.
فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا وعرفوه بتظاهر المعجزات الباهرة المزيلة للشك. قالُوا من فرط تمردهم. إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ ظاهر أنه سحر، أو فائق في فنه واضح فيما بين إخوانه.
[[سورة يونس (١٠) : آية ٧٧]]
قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧)
قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ إنه لسحر فحذف المحكي المقول لدلالة ما قبله عليه، ولا يجوز أن يكون. أَسِحْرٌ هذا لأنهم بتوا القول بل هو استئناف بإنكار ما قالوه اللهم إلا أن يكون الاستفهام فيه للتقرير والمحكي مفهوم قولهم، ويجوز أن يكون معنى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ أتعيبونه من قولهم فلان يخاف القالة كقوله تعالى: سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ فيستغني عن المفعول.
وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ من تمام كلام موسى للدلالة على أنه ليس بسحر فإنه لو كان سحراً لاضمحل ولم يبطل سحر السحرة، ولأن العالم بأنه لا يفلح الساحر لا يسحر، أو من تمام قولهم إن جعل أسحر هذا محكياً كأنهم قالوا أجئتنا بالسحر تطلب به الفلاح ولا يفلح الساحرون.