للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا أي الآخذون له، وإنما ذكر الأكل لأنه أعظم منافع المال، ولأن الربا شائع في المطعومات وهو زيادة في الأجل، بأن يباع مطعوم بمطعوم، أو نقد بنقد إلى أجل، أو في العوض بأن يباع أحدهما بأكثر منه من جنسه، وإنما كتب بالواو كالصلاة للتفخيم على لغة وزيدت الألف بعدها تشبيهاً بواو الجمع. لاَ يَقُومُونَ إذا بعثوا من قبورهم. إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ إلا قياماً كقيام المصروع، وهو وارد على ما يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع، والخبط ضرب على غير اتساق كخبط العشواء.

مِنَ الْمَسِّ أي الجنون، وهذا أيضاً من زعماتهم أن الجني يمسه فيختلط عقله ولذلك قيل: جَنَّ الرجلُ.

وهو متعلق ب لاَ يَقُومُونَ أي لا يقومون من المس الذي بهم بسبب أكل الربا، أو بيقوم أو بيتخبط فيكون نهوضهم وسقوطهم كالمصروعين لا لاختلال عقولهم ولكن لأن الله أربى في بطونهم ما أكلوه من الربا فأثقلهم. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا أي ذلك العقاب بسبب أنهم نظموا الربا والبيع في سلك واحد لإفضائهما إلى الربح فاستحلوه استحلاله. وكان الأصل إنما الربا مثل البيع ولكن عكس للمبالغة، كأنهم جعلوا الربا أصلاً وقاسوا به البيع، والفرق بينَّ فإن من أعطى درهمين بدرهم ضيع درهماً، ومن اشترى سلعة تساوي درهماً بدرهمين فلعل مساس الحاجَةُ إليها، أو توقع رواجها يجبر هذا الغبن. وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا إنكار لتسويتهم، وإبطال القياس بمعارضة النص. فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فمن بلغه وعظ من الله تعالى وزجر كالنهي عن الربا. فَانْتَهى فاتعظ وتبع النهي. فَلَهُ مَا سَلَفَ تقدم أخذه التحريم ولا يسترد منه، وما في موضع الرفع بالظرف إن جعلت من موصولة، وبالابتداء إن جعلت شرطية على رأي سيبويه إذ الظرف غير معتمد على ما قبله. وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ يجازيه على انتهائه إن كان من قبول الموعظة وصدق النية.

وقيل يحكم في شأنه ولا اعتراض لكم عليه. وَمَنْ عادَ إلى تحليل الربا، إذ الكلام فيه. فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ لأنهم كفروا به.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٦]]

يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦)

يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا يذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه. وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ يضاعف ثوابها ويبارك فيما أخرجت منه،

وعنه عليه الصلاة والسلام «إن الله يقبل الصدقة ويربيها كما يربي أحدكم مهره» .

وعنه عليه الصلاة والسلام «ما نقصت زكاة من مال قط»

. وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ لا يرضى ولا يحب محبته للتوابين. كُلَّ كَفَّارٍ مصر على تحليل المحرمات. أَثِيمٍ منهمك في ارتكابه.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٧٧]]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بالله ورسوله وبما جاءهم منه. وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ عطفهما على ما يعمهما لإِنافتهما على سائر الأعمال الصالحة. لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من آت. وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على فائت.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧٨ الى ٢٧٩]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>