[[سورة مريم (١٩) : آية ٦٢]]
لاَّ يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢)
لاَّ يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً فضول كلام. إِلَّا سَلاماً ولكن يسمعون قولاً يسلمون فيه من العيب والنقيصة، أو تسليم الملائكة عليهم أو تسليم بعضهم، على بعض على الاستثناء المنقطع، أو على أن معنى التسليم إن كان لغواً فلا يسمعون لغواً سواه كقوله:
وَلاَ عَيْبَ فِيهِم غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُم ... بِهِنَّ فُلُولٌ من قراع الكتائب
أو على أن معناه الدعاء بالسلامة وأهلها أغنياء عنه فهو من باب اللغو ظاهراً وإنما فائدته الإِكرام.
وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا على عادة المتنعمين والتوسط بين الزهادة والرغابة، وقيل المراد دوام الرزق ودروره.
[[سورة مريم (١٩) : آية ٦٣]]
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣)
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا نبقيها عليهم من ثمرة تقواهم كما يبقى على الوارث مال مورثه، والوراثة أقوى لفظ يستعمل في التملك والاستحقاق من حيث إنها لا تعقب بفسخ ولا استرجاع، ولا تبطل برد ولا إسقاط. وقيل يورث المتقون من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار لو أطاعوا زيادة في كرامتهم، وعن يعقوب نُورِثُ بالتشديد.
[[سورة مريم (١٩) : آية ٦٤]]
وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤)
وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ حكاية قول جبريل عليه الصلاة والسلام حين استبطأه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ولم يدر ما يجيب، ورجا أن يوحى إليه فيه فأبطأ عليه خمسة عشر يوماً، وقيل أربعين يوماً حتى قال المشركون ودعه ربه وقلاه، ثم نزل ببيان ذلك. والتنزل النزول على مهل لأنه مطاوع نزل وقد يطلق بمعنى النزول مطلقاً كما يطلق نزل بمعنى أنزل، والمعنى وما ننزل وقتاً غب وقت إلا بأمر الله على ما تقتضيه حكمته، وقرئ «وما يتنزل» بالياء والضمير للوحي. لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وهو ما نحن فيه من الأماكن والأحايين لا ننتقل من مكان إلى مكان، ولا ننزل في زمان دون زمان إلا بأمره ومشيئته. وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا تاركاً لك أي ما كان عدم النزول إلا لعدم الأمر به، ولم يكن ذلك عن ترك الله لك وتوديعه إياك كما زعمت الكفرة وإنما كان لحكمة رآها فيه. وقيل أول الآية حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة، والمعنى وما ننزل الجنة إلا بأمر الله ولطفه، وهو مالك الأمور كلها السالفة والمترقبة والحاضرة فما وجدناه وما نجده من لطفه وفضله وقوله وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا تقرير من الله لقولهم أي وما كان ربك نسياً لأعمال العاملين وما وعد لهم من الثواب عليها وقوله:
[[سورة مريم (١٩) : آية ٦٥]]
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥)
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما بيان لامتناع النسيان عليه، وهو خبر محذوف أو بدل من رَبِّكَ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم مرتب عليه، أي لما عرفت ربك بأنه لا ينبغي له أن ينساك، أو أعمال العمال فأقبل على عبادته واصطبر عليها ولا تتشوش بإبطاء الوحي وهزء الكفرة، وإنما عدي باللام لتضمنه معنى الثبات للعبادة فيما يورد عليه من الشدائد والمشاق كقولك للمحارب: اصطبر لقرنك. هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا مثلاً يستحق أن يسمى إلهاً أو أحداً سمي الله فإن المشركين وإن سموا الصنم إلهاً لم يسموه الله قط، وذلك لظهور أحديته تعالى، وتعالى ذاته عن المماثلة بحيث لم يقبل اللبس والمكابرة، وهو تقرير للأمر