. أو لأنها لما كانت محلاة باللام خرجت عن حد القلة. ولَكُمُ صفة رزقاً إن أريد به المرزوق ومفعوله إن أريد به المصدر كأنه قال: رزقاً إياكم.
فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً متعلق باعبدوا على أنه نهي معطوف عليه. أو نفي منصوب بإضمار أن جواب له. أو بلعل على أن نصب تجعلوا نصب فاطلع في قوله تعالى: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إلحاقاً لها بالأشياء الستة لاشتراكها في أنها غير موجبة، والمعنى: إن تتقوا لا تجعلوا لله أنداداً، أو بالذي جعل، إن استأنفت به على أنه نهي وقع خبراً على تأويل مقول فيه: لا تجعلوا، والفاء للسببية أدخلت عليه لتضمن المبتدأ معنى الشرط والمعنى: أن من خصكم بهذه النعم الجسام والآيات العظام ينبغي أن لا يُشْرَكَ به. والند: المثل المناوئ، قال جرير:
أَتيماً تَجْعلونَ إليَّ ندَّا ... وما تيمٌ لِذي حَسَبٍ نَدِيدُ
من ند يند ندوداً: إذا نفر، وناددت الرَجُلَ خالفته، خص بالمخالف المماثل في الذات كما خص المساوي بالمماثل في القدر، وتسمية ما يعبده المشركون من دون الله (أنداداً) ، وما زعموا أنها تساويه في ذاته وصفاته وَلاَ أنها تخالفه في أفعاله لأنهم لما تركوا عبادته إلى عبادتها، وسموها آلهة شابهت حالهم حال من يعتقد أنها ذوات واجبة بالذات، قادرة على أن تدفع عنهم بأس الله، وتمنحهم ما لم يرد الله بهم من خير، فتهكم بهم وشنع عليهم بأن جعلوا أنداداً لمن يمتنع أن يكون له ند. ولهذا قال موحد الجاهلية زيد بن عمرو بن نفيل:
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ حال من ضمير فلا تجعلوا، ومفعول تعلمون مطروح، أي: وحالكم أنكم من أهل العلم والنظر وإصابة الرأي، فلو تأملتم أدنى تأمل اضطر عقلكم إلى إثبات موجد للممكنات منفرد بوجوب الذات، متعال عن مشابهة المخلوقات. أو منوي وهو أنها لا تماثله ولا تقدر على مثل ما يفعله كقوله سبحانه وتعالى: هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ وعلى هذا فالمقصود منه التوبيخ والتثريب، لا تقييد الحكم وقصره عليه، فإن العالم والجاهل المتمكن من العلم سواء في التكليف.
واعلم إن مضمون الآيتين هو الأمر بعبادة الله سبحانه وتعالى، والنهي عن الإشراك به تعالى، والإشارة إلى ما هو العلة والمقتضى. وبيانه أنه رتب الأمر بالعبادة على صفة الربوبية إشعاراً بأنها العلة لوجوبها، ثم بين ربوبيته بأنه تعالى خالقهم وخالق أصولهم وما يحتاجون إليه في معاشهم من المقلة والمظلة والمطاعم والملابس، فإن الثمرة أعم من المطعوم، والرزق أعم من المأكول والمشروب. ثم لما كانت هذه الأمور التي لا يقدر عليها غيره شاهدة على وحدانيته تعالى، رتب تعالى عليها النهي عن الإشراك به، ولعله سبحانه أراد من الآية الأخيرة مع ما دل عليه الظاهر وسيق فيه الكلام، الإشارة، إلى تفصيل خلق الإنسان وما أفاض عليه من المعاني والصفات على طريقة التمثيل، فمثل البدن بالأرض، والنفس بالسماء، والعقل بالماء، وما أفاض عليه من الفضائل العملية والنظرية المحصلة بواسطة استعمال العقل للحواس، وازدواج القوى النفسانية والبدنية، بالثمرات المتولدة من ازدواج القوى السماوية الفاعلة والأرضية المنفعلة بقدرة الفاعل المختار، فإن لكل آية ظهراً وبطناً ولكل حد مطلعاً.