مع أن المعدود عليهم نعمة هو المعنى المنتزع من القصة بأسرها، كما أن الواقع حالا هو العلم بها لا كل واحدة من الجمل، فإن بعضها ماض وبعضها مستقبل وكلاهما لا يصح أن يقع حالا. أو مع المؤمنين خاصة لتقرير المنة عليهم، وتبعيد الكفر عنهم على معنى، كيف يتصور منكم الكفر وكنتم أمواتاً جهالاً، فأحياكم بما أفادكم من العلم والإيمان، ثم يميتكم الموت المعروف، ثم يحييكم الحياة الحقيقية، ثم إليه ترجعون، فيثيبكم بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. والحياة حقيقة في القوة الحساسة، أو ما يقتضيها وبها سمي الحيوان حيواناً مجازاً في القوة النامية، لأنها من طلائعها ومقدماتها، وفيما يخص الإنسان من الفضائل، كالعقل والعلم والإيمان من حيث إنها كمالها وغايتها، والموت بإزائها يقال على ما يقابلها في كل مرتبة قال تعالى: قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ. وقال: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وقال: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ وإذا وصف به الباري تعالى أريد بها صحة اتصافه بالعلم والقدرة اللازمة لهذه القوة فينا، أو معنى قائم بذاته يقتضي ذلك على الاستعارة. وقرأ يعقوب تُرْجَعُونَ بفتح التاء في جميع القرآن.
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً بيان نعمة أخرى مرتبة على الأولى، فإنها خلقهم أحياء قادرين مرة بعد أخرى، وهذه خلق ما يتوقف عليه بقاؤهم وتم به معاشهم. ومعنى لَكُمْ لأجلكم وانتفاعكم في دنياكم باستنفاعكم بها في مصالح أبدانكم بوسط أو بغير وسط، ودينكم بالاستدلال والاعتبار والتعرف لما يلائمها من لذات الآخرة وآلامها، لا على وجه الغرض، فإن الفاعل لغرض مستكمل به، بل على أنه كالغرض من حيث إنه عاقبة الفعل ومؤداه وهو يقتضي إباحة الأشياء النافعة، ولا يمنع اختصاص بعضها ببعض لأسباب عارضة، فإنه يدل على أن الكل للكل لا أن كل واحد لكل واحد. وما يعم كل ما في الأرض، إلا إذا أريد بها جهة السفل كما يراد بالسماء جهة العلو. وجميعاً: حال من الموصول الثاني.
ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ قصد إليها بإرادته، من قولهم استوى إليه كالسهم المرسل، إذا قصده قصداً مستوياً من غير أن يلوي على شيء. وأصل الاستواء طلب السواء، وإطلاقه على الاعتدال لما فيه من تسوية وضع الأجزاء، ولا يمكن حمله عليه لأنه من خواص الأجسام وقيل استوى أي: استولى ومَلَكَ، قال:
والأول أوفق للأصل والصلة المعدى بها والتسوية المترتبة عليه بالفاء، والمراد بالسماء هذه الأجرام العلوية، أو جهات العلو، وثُمَّ لعله لتفاوت ما بين الخلقين وفضل خلق السماء على خلق الأرض كقوله تعالى: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا لا للتراخي في الوقت، فإنه يخالف ظاهر قوله تعالى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها فإنه يدل على تأخر دحو الأرض المتقدم على خلق ما فيها عن خلق السماء وتسويتها، إلا أن تستأنف بدحاها مقدراً لنصب الأرض فعلاً آخر دل عليه أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً مثل تعرف الأرض وتدبر أمرها بعد ذلك لكنه خلاف الظاهر.
فَسَوَّاهُنَّ عدلهن وخلقهن مصونة من العوج والفطور. وهن ضمير السماء إن فسرت بالأجرام لأنه جمع. أو هو في معنى الجمع، وإلا فمبهم يفسره ما بعده كقولهم: ربه رجلاً.
سَبْعَ سَماواتٍ بدل أو تفسير. فإن قيل: أليس إن أصحاب الأرصاد أثبتوا تسعة أفلاك؟ قلت: فيما ذكروه شكوك، وإن صح فليس في الآية نفي الزائد مع أنه إن ضم إليها العرش والكرسي لم يبق خلاف.