عقب به النهي عن الشر ليستبدل به ويستعمل مكانه. وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وتزودوا لمعادكم التقوى فإنه خير زاد، وقيل: نزلت في أهل اليمن كانوا يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن متوكلون فيكونون كلا على الناس، فأمروا أن يتزودوا ويتقوا الإِبرام في السؤال والتثقيل على الناس. وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ فإن قضية اللب خشية الله وتقواه، حثهم على التقوى ثم أمرهم بأن يكون المقصود بها هو الله تعالى فيتبرأ من كل شيء سواه، وهو مقتضى العقل المعري عن شوائب الهوى فلذلك خص أولي الألباب بهذا الخطاب.
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا أي في أن تبتغوا أي تطلبوا. فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ عطاء ورزقاً منه، يريد الربح بالتجارة، وقيل: كان عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقهم في الجاهلية يقيمونها مواسم الحج، وكانت معايشهم منها، فلما جاء الإسلام تأثموا منه فنزلت. فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ دفعتم منها بكثرة، من أفضت الماء إذا صببته بكثرة. وأصله أفضتم أنفسكم فحذف المفعول كما حذف في دفعت من البصرة. وعَرَفاتٍ جمع سمي به كأذرعات، وإنما نون وكسر وفيه العلمية والتأنيث لأن تنوين الجمع تنوين المقابلة لا تنوين التمكين ولذلك يجمع مع اللام، وذهاب الكسرة تبع ذهاب التنوين من غير عوض لعدم الصرف، وهنا ليس كذلك. أو لأن التأنيث إما أن يكون بالتاء المذكورة وهي ليست تاء تأنيث. وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنث، أو بتاء مقدرة كما في سعاد ولا يصح تقديرها لأن المذكورة تمنعه من حيث إنها كالبدل لها لاختصاصها بالمؤنث كتاء بنت، وإنما سمي الموقف عرفة لأنه نعت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، فلما أبصره عرفه أو لأن جبريل عليه السلام كان يدور به في المشاعر فلما أراه إياه قال قد عرفت، أو لأن آدم وحواء التقيا فيه فتعارفا. أو لأن الناس يتعارفون فيه. وعرفات للمبالغة في ذلك وهي من الأسماء المرتجلة إلا أن يجعل جمع عارف، وفيه دليل على وجوب الوقوف بها لأن الإفاضة لا تكون إلا بعده وهي مأمور بها بقوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا أو مقدمة للذكر المأمور به وفيه نظر إذ الذكر غير واجب بل مستحب. وعلى تقدير أنه واجب فهو واجب مقيد لا واجب مطلق حتى تجب مقدمته والأمر به غير مطلق. فَاذْكُرُوا اللَّهَ بالتلبية والتهليل والدعاء. وقيل: بصلاة العشاءين. عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ جبل يقف عليه الإمام ويسمى «قزح» . وقيل: ما بين مأزمي عرفة ووادي محسر، ويؤيد الأول ما
روي جابر: أنه عليه الصلاة والسلام لما صلى الفجر- يعني بالمزدلفة بغلس- ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام فدعا وكبر وهلل، ولم يزل واقفاً حتى أسفر
وإنما سمي مشعراً لأنه معلم العبادة، ووصف بالحرام لحرمته: ومعنى عند المشعر الحرام: مما يليه ويقرب منه فإنه أفضل، وإلا فالمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر. وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ كما علمكم، أو اذكروه ذكراً حسناً كما هداكم هداية حسنة إلى المناسك وغيرها. وما مصدرية أو كافة. وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ أي الهُدى. لَمِنَ الضَّالِّينَ أي الجاهلين بالإيمان والطاعة، وإن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة. وقيل: إن نافية واللام بمعنى إلا، كقوله تعالى: وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ.
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ أي من عرفة لا من المزدلفة، والخطاب مع قريش كانوا يقفون بجمع وسائر الناس بعرفة ويرون ذلك ترفعاً عليهم، فأمروا بأن يساووهم. وثم لتفاوت ما بين الإِفاضتين كما في قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم. وقيل: من مزدلفة إلى منى بعد الإِفاضة من عرفة إليها والخطاب عام. وقرئ «الناس» بالكسر أي الناسي يريد آدم من قوله سبحانه وتعالى: فَنَسِيَ والمعنى