وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ عطف التكذيب بآيات الله على الكفر، وهو ضرب منه لأن القصد إلى بيان حال المكذبين وذكرهم في معرض المصدقين بها جمعاً بين الترغيب والترهيب.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٨٧ الى ٨٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ أي ما طاب ولذ منه كأنه لما تضمن ما قبله مدح النصارى على ترهبهم والحث على كسر النفس ورفض الشهوات عقبه النهي عن الإِفراط في ذلك والاعتداء عما حد الله سبحانه وتعالى بجعل الحلال حراماً فقال: وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ويجوز أن يراد به ولا تعتدوا حدود ما أحل الله لكم إلى ما حرم عليكم، فتكون الآية ناهية عن تحريم ما أحل وتحليل ما حرم داعية إلى القصد بينهما.
روي (أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصف القيامة لأصحابه يوماً وبالغ في إنذارهم، فرقوا واجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون واتفقوا على أن لا يزالوا صائمين قائمين، وأن لا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم والودك، ولا يقربوا النساء والطيب، ويرفضوا الدنيا ويلبسوا المسوح، ويسيحوا في الأرض، ويجبوا مذاكيرهم. فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لهم: إني لم أومر بذلك إن لأنفسكم عليكم حقاً فصوموا وأفطروا، وقوموا وناموا، فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر، وآكل اللحم والدسم، وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) فنزلت.
وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً أي كلوا ما حل لكم وطاب مما رزقكم الله، فيكون حلالاً مفعول كلوا ومما حال منه تقدمت عليه لأنه نكرة، ويجوز أن تكون من ابتدائية متعلقة بكلوا، ويجوز أن تكون مفعولاً وحلالاً حال من الموصول، أو العائد المحذوف، أو صفة لمصدر محذوف وعلى الوجوه لو لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة زائدة. وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ.
[[سورة المائدة (٥) : آية ٨٩]]
لاَّ يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)
لاَّ يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ هو ما يبدو من المرء بلا قصد كقول الرجل: لا والله وبلى والله، وإليه ذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه، وقيل الحلف على ما يظن أنه كذلك ولم يكن، وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى وفي أيمانكم صلة يؤاخذكم أو اللغو لأنه مصدر أو حال منه. وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ بما وثقتم الأيمان عليه بالقصد والنية، والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم أو بنكث ما عقدتم فحذف للعلم به. وقرأ حمزة والكسائي وابن عياش عن عاصم عَقَّدْتُمُ بالتخفيف، وابن عامر برواية ابن ذكوان «عاقدتم» وهو من فاعل بمعنى فعل. فَكَفَّارَتُهُ فكفارة نكثه أي الفعلة التي تذهب إثمه وتستره، واستدل بظاهره على جواز التكفير بالمال قبل الحنث وهو عندنا خلافا للحنفية
لقوله عليه الصلاة والسلام «من حلف على يمين ورأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير» .
إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ من أقصده في النوع أو القدر، وهو مد لكل مسكين عندنا ونصف صاع عند الحنفية، وما محله النصب لأنه صفة مفعول محذوف تقديره: أن تطعموا عشرة مساكين طعاماً من أوسط ما تطعمون، أو الرفع على البدل من إطعام، وأهلون كأرضون. وقرئ «أهاليكم» بسكون الياء على لغة من يسكنها في الأحوال الثلاث كالألف، وهو جمع أهل كالليالي في جمع ليل والأراضي في جمع أرض.