[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٥]]
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ من قصد البر إليهما واعتقاد ما يجب لهما من التوقير، وكأنه تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالاً. إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ قاصدين للصلاح. فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ للتوابين.
غَفُوراً ما فرط منهم عند حرج الصدر من أذية أو تقصير، وفيه تشديد عظيم، ويجوز أن يكون عاماً لكل تائب، ويندرج فيه الجاني على أبويه التائب من جنايته لوروده على أثره.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧)
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ من صلة الرحم وحسن المعاشرة والبر عليهم. وقال أبو حنيفة: حقهم إذا كانوا محارم فقراء أن ينفق عليهم. وقيل المراد بذي القربى أقارب الرسول صلّى الله عليه وسلّم. وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً بصرف المال فيما لا ينبغي وإنفاقه على وجه الإِسراف، وأصل التبذير التفريق. «و
عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لسعد وهو يتوضأ: ما هذا السرف قال: أو في الوضوء سرف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار» .
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ أمثالهم في الشرارة فإن التضييع والاتلاف شر، أو أصدقاءهم وأتباعهم لأنهم يطيعونهم في الإِسراف والصرف في المعاصي.
روي: أنهم كانوا ينحرون الإِبل ويتياسرون عليها ويبذرون أموالهم في السمعة، فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم بالإِنفاق في القربات.
وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً مبالغاً في الكفر به فينبغي أن لا يطاع.
[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٨]]
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨)
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ وإن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الرد، ويجوز أن يراد بالإِعراض عنهم أن لا ينفعهم على سبيل الكناية. ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها لانتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك فتعطيه، أو منتظرين له وقيل معناه لفقد رزق من ربك ترجوه أن يفتح لك فوضع الابتغاء موضعه لأنه مسبب عنه، ويجوز أن يتعلق بالجواب الذي هو قوله تعالى: فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً أي فقل لهم قولاً ليناً ابتغاء رحمة الله برحمتك عليهم بإجمال القول لهم، والميسور من يسر الأمر مثل سَعُدَ الرَّجل ونحس، وقيل القول الميسور الدعاء لهم بالميسور وهو اليسر مثل أغناكم الله تعالى ورزقنا الله وإياكم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠)
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذر، نهى عنهما آمراً بالاقتصاد بينهما الذي هو الكرم. فَتَقْعُدَ مَلُوماً فتصير ملوماً عند الله وعند الناس بالإِسراف وسوء التدبير. مَحْسُوراً نادماً أو منقطعاً بك لا شيء عندك من حسرة السفر إذا بلغ منه.
وعن جابر (بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس أتاه صبي فقال: إن أمي تستكسيك درعاً، فقال صلّى الله عليه وسلّم من ساعة إلى ساعة فعد إلينا، فذهب إلى أمه فقالت: قل له إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك، فدخل صلّى الله عليه وسلّم داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عرياناً وأذن بلال وانتظروه للصلاة فلم يخرج فأنزل الله ذلك) ثم سلاه بقوله: إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ
يوسعه ويضيقه بمشيئته التابعة للحكمة البالغة فليس ما يرهقك من الإِضافة إلا لمصلحتك. إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يعلم سرهم وعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم، ويجوز أن يراد أن البسط