فأجلسهم مثنى مثنى فبقي بنيامين وحيداً فبكى وقال: لو كان أخي يوسف حياً لجلس معي، فأجلسه معه على مائدته ثم قال: لينزل كل اثنين منكم بيتاً وهذا لا ثاني له فيكون معي فبات عنده وقال له: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك، قال: من يجد أخاً مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف وقام إليه وعانقه وقالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ فلا تحزن افتعال من البؤس. بِما كانُوا يَعْمَلُونَ في حقنا فيما مضى.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٧٠ الى ٧١]
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ (٧١)
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ المشربة. فِي رَحْلِ أَخِيهِ قيل كانت مشربة جعلت صاعاً يكال به وقيل. كانت تسقى الدواب بها ويكال بها وكانت من فضة. وقيل من ذهب وقرئ «وجعل» على حذف جواب فلما تقديره أمهلهم حتى انطلقوا. ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ نادى مناد. أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ لعله لم يقله بأمر يوسف عليه الصلاة والسلام أو كان تعبية السقاية والنداء عليها برضا بنيامين. وقيل معناه إنكم لسارقون يوسف من أبيه أو أإنكم لسارقون، والعير القافلة وهو اسم الإبل التي عليها الأحمال لأنها تعير أي تتردد، فقيل لأصحابها
كقوله عليه الصلاة والسلام «يا خيل الله اركبي» .
وقيل جمع عير وأصله فعل كسقف فعل به ما فعل ببيض تجوز به لقافلة الحمير، ثم استعير لكل قافلة.
قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ أي شيء ضاع منكم؟ والفقد: غيبة الشيء عن الحس بحيث لا يعرف مكانه، وقرئ «تَفْقِدُونَ» من أفقدته إذا وجدته فقيدا.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٧٢ الى ٧٣]
قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣)
قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وقرئ «صاع» و «صوع» بالفتح والضم والعين والغين و «صواغ» من الصياغة. وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ من الطعام جعلاً له. وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ كفيل أؤديه إلى من رده. وفيه دليل على جواز الجعالة وضمان الجعل قبل تمام العمل.
قالُوا تَاللَّهِ قسم فيه معنى التعجب، التاء بدل من الباء مختصة باسم الله تعالى: لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ استشهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا منهم في كرتي مجيئهم ومداخلتهم للملك مما يدل على فرط أمانتهم كرد البضاعة التي جعلت في رحالهم وكعم الدواب لئلا تتناول زرعاً أو طعاما لأحد.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥)
قالُوا فَما جَزاؤُهُ فما جزاء السارق أو السرق أو ال صُواعَ على حذف المضاف. إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ في ادعاء البراءة.
قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ أي جزاء سرقته أخذ من وجد فى رحله واسترقاقه، هكذا كان شرع يعقوب عليه الصلاة والسلام. وقوله فَهُوَ جَزاؤُهُ تقرير للحكم وإلزام له، أو خبر مَنْ والفاء لتضمنها معنى الشرط أو جواب لها على أنها شرطية. والجملة كما هي خبر جَزاؤُهُ على إقامة الظاهر فيها