للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً خطاباً للجميع لوجود القتل فيهم فَادَّارَأْتُمْ فِيها اختصمتم في شأنها، إذ المتخاصمان يدفع بعضهما بعضاً، أو تدافعتم بأن طرح كل قتلها عن نفسه إلى صاحبه، وأصله تدارأتم فأدغمت التاء في الدال واجتلبت لها همزة الوصل وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ مظهره لا محالة، وأعمل مخرج لأنه حكاية مستقبل كما أعمل باسِطٌ ذِراعَيْهِ لأنه حكاية حال ماضية.

فَقُلْنا اضْرِبُوهُ

عطف على ادارأتم وما بينها اعتراض، والضمير للنفس والتذكير على تأويل الشخص أو القتيل بِبَعْضِها

أي بعض كان، وقيل: بأصغريها، وقيل بلسانها، وقيل بفخذها اليمنى، وقيل بالأذن، وقيل بالعجب كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى

يدل على ما حذف وهو فضربوه فحيي، والخطاب مع من حضر حياة القتيل، أو نزول الآية وَيُرِيكُمْ آياتِهِ

دلائله على كمال قدرته. لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

لكي يكمل عقلكم وتعلموا أن من قدر على إحياء نفس قدر على إحياء الأنفس كلها، أو تعملوا على قضيته. ولعله تعالى إنما لم يحيه ابتداء وشرط فيه ما شرط لما فيه من التقرب وأداء الواجب، ونفع اليتيم والتنبيه على بركة التوكل والشفقة على الأولاد، وأن من حق الطالب أن يقدم قربة، والمتقرب أن يتحرى الأحسن ويغالي بثمنه، كما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه: أنه ضحى بنجيبة اشتراها بثلاثمائة دينار. وأن المؤثر في الحقيقة هو الله تعالى، والأسباب أمارات لا إثر لها، وأن من أراد أن يعرف أعدى عدوه الساعي في إماتته الموت الحقيقي، فطريقُه أن يذبح بقرة نفسه التي هي القوة الشهوية حين زال عنها شره الصبا، ولم يلحقها ضعف الكبر، وكانت معجبة رائقة المنظر غير مذللة في طلب الدنيا، مسلمة عن دنسها لا سمة بها من مقابحها بحيث يصل أثره إلى نفسه، فتحيا حياة طيبا، وتعرب عما به ينكشف الحال، ويرتفع ما بين العقل والوهم من التدارؤ والنزاع.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٧٤]]

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤)

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ القساوة عبارة عن الغلظ مع الصلابة، كما في الحجر. وقساوة القلب مثل في نبوه عن الاعتبار، وثم لاستبعاد القسوة مِنْ بَعْدِ ذلِكَ يعني إحياء القتيل، أو جميع ما عدد من الآيات فإنها مما توجب لين القلب. فَهِيَ كَالْحِجارَةِ في قسوتها أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً منها، والمعنى أنها في القساوة مثل الحجارة أو أزيد عليها، أو أنها مثلها، أو مثل ما هو أشد منها قسوة كالحديد، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ويعضده قراءة الحسن بالجر عطفاً على الحجارة، وإنما لم يقل أقسى لما في أشد من المبالغة، والدلالة على اشتداد القسوتين واشتمال المفضل على زيادة وأَوْ للتخيير، أو للترديد بمعنى: أن من عرف حالها شبهها بالحجارة أو بما هو أقسى منها.

وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تعليل للتفضيل، والمعنى: أن الحجارة تتأثر وتنفعل فإن منها ما يتشقق فينبع منه الماء، وتنفجر منه الأنهار، ومنها ما يتردى من أعلى الجبل انقياداً لما أراد الله تعالى به. وقلوب هؤلاء لا تتأثر ولا تنفعل عن أمره تعالى. والتفجر التفتح بسعة وكثرة، والخشية مجاز عن الانقياد، وقرئ إِنَّ على أنها المخففة من الثقيلة وتلزمها اللام الفارقة بينها وبين إن النافية، ويهبط بالضم.

وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وعيد على ذلك، وقرأ ابن كثير ونافع ويعقوب وخلف وأبو بكر بالياء ضما إلى ما بعده، والباقون بالتاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>