ما تسكنون إليه وهو التوراة. وكان موسى عليه الصلاة والسلام إِذا قاتل قدمه فتسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون. وقيل صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت لها رأس وذنب كرأس الهرة وذنبها وجناحان فتئن فيزف التابوت نحو العدو وهم يتبعونه فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر. وقيل صورة الأنبياء من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام. وقيل التابوت هو القلب والسكينة ما فيه من العلم والإخلاص وإتيانه مصير قلبه مقراً للعلم والوقار بعد أن لم يكن. وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ رضاض الألواح وعصا موسى وثيابه وعمامة هارون، وآلْهما أبناؤهما أو أنفسهما. والآل مقحم لتفخيم شأنهما، أو أنبياء بني إسرائيل لأنهم أبناء عمهما. تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ قيل رفعه الله بعد موسى فنزلت به الملائكة وهم ينظرون إليه وقيل كان بعده مع أنبيائهم يستفتحون به حتى أفسدوا فغلبهم الكفار عليه، وكان في أرض جالوت إلى أن ملك الله طالوت فأصابهم بلاء حتى هلكت خمس مدائن فتشاءموا بالتابوت فوضعوه على ثورين فساقتهما الملائكة إلى طالوت.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يحتمل أن يكون من تمام كلام النبي عليه السلام وأن يكون ابتداء خطاب من الله سبحانه وتعالى.
فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ انفصل بهم عن بلده لقتال العمالقة، وأصله فصل نفسه عنه ولكن لما كثر حذف مفعوله صار كاللازم.
روي: أنه قال لهم لا يخرج معي إلا الشاب النشيط الفارغ، فاجتمع إليه ممن إختاره ثمانون ألفاً، وكان الوقت قيظاً فسلكوا مفازه وسألوه أن يجري الله لهم نهراً
. قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ معاملكم معاملة المختبر بما اقترحتموه. فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي فليس من أشياعي، أو ليس بمتحد معي. وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي أي من لم يذقه من طعم الشيء إذا ذاقه مأكولاً أو مشروباً قال الشاعر:
وَإِن شِئْتُ لَمْ أَطْعِم نقاخاً وَلاَ بَرَدْا وإنما علم ذلك بالوحي إن كان نبياً كما قيل، أو بإخبار النبي عليه الصلاة والسلام. إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ استثناء من قوله فمن شرب منه، وإنما قدمت عليه الجملة الثانية للعناية بها كما قدم والصائبون على الخبر في قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا والمعنى الرخصة في القليل دون الكثير، وقرأ ابن عامر والكوفيون غُرْفَةً بضم الغين. فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ أي فكرعوا فيه إذ الأصل في الشرب منه أن لا يكون بوسط، وتعميم الأول ليتصل الاستثناء، أو أفرطوا في الشرب منه إلا قليلا منهم. وقرئ بالرفع حملاً على المعنى فإن قوله فَشَرِبُوا مِنْهُ في معنى فلم يطيعوه والقليل كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. وقيل ثلاثة آلاف. وقيل: ألفاً. روي أن من اقتصر على الغرفة كفته لشربه وإداوته، ومن لم يقتصر غلب عليه واسودت شفته ولم يقدر أن يمضي وهكذا الدنيا لقاصد الآخرة. فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ أي القليل الذين لم يخالفوه. قالُوا أي بعضهم لبعض. لاَ طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ لكثرتهم وقوتهم. قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ أي قال الخلص منهم الذين تيقنوا لقاء الله وتوقعوا ثوابه، أو علموا أنهم يستشهدون عما قريب فيلقون الله تعالى. وقيل: هم القليل الذين ثبتوا معه، والضمير في قالُوا للكثير المنخذلين عنه اعتذاراً في التخلف وتخذيلاً للقليل، وكأنهم تقاولوا به والنهر بينهما. كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ