وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وما صح له وليس من شأنه. أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً بغير حق. إِلَّا خَطَأً فإنه على عرضته، ونصبه على الحال أو المفعول له أي: لا يقتله في شيء من الأحوال إلا حال الخطأ، أو لا يقتله لعلة إلا للخطأ أو على أنه صفة مصدر محذوف أي إلّا قتلاً خطأ. وقيل مَا كانَ نفي في معنى النهي، والاستثناء منقطع أي لكن إن قتله خطأ فجزاؤه ما يذكر، والخطأ ما لا يضامه القصد إلى الفعل أو الشخص أو لا يقصد به زهوق الروح غالباً، أو لا يقصد به محظور كرمي مسلم في صف الكفار مع الجهل بإسلامه، أو يكون فعل غير المكلف. وقرئ «خطاء» بالمد و «خطا» كعصا بتخفيف الهمزة، والآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل من الأم، لقي حارث بن زيد في طريق وكان قد أسلم ولم يشعر به عياش فقتله.
وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أي فعليه أو فواجبه تحرير رقبة، والتحرير الإعتاق، والحر كالعتيق للكريم من الشيء ومنه حر الوجه لأكرم موضع منه، سمي به لأن الكرم في الأحرار واللؤم في العبيد، والرقبة عبر بها عن النسمة كما عبر عنها بالرأس. مُؤْمِنَةٍ محكوم بإسلامها وإن كانت صغيرة. وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كسائر المواريث،
لقول ضحاك بن سفيان الكلابي: (كتب إليَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرني أن أورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها) .
وهي على العاقلة فإن لم تكن فعلى بيت المال، فإن لم يكن ففي ماله. إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا إلا أن يتصدقوا عليه بالدية. سمي العفو عنها صدقة حثاً عليه وتنبيهاً على فضله،
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كل معروف صدقة»
وهو متعلق بعليه، أو بمسلمة أي تجب الدية عليه أو يسلمها إلى أهله إلا حال تصدقهم عليه. أو زمانه فهو في محل النصب على الحال من القاتل أو الأهل أو الظرف. فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ أي فإن كان المؤمن المقتول من قوم كفار محاربين، أو في تضاعيفهم ولم يعلم إيمانه فعلى قاتله الكفارة دون الدية لأهله إذ لا وراثة بينه وبينهم ولأنهم محاربون. وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ أي وإن كان من قوم كفرة معاهدين، أو أهل الذمة فحكمه حكم المسلمين في وجوب الكفارة والدية ولعله فيما إذا كان المقتول معاهداً، أو كان له وارث مسلم. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ رقبة بأن لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها.
فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ فعليه أو فالواجب عليه صيام شهرين متتابعين. تَوْبَةً نصب على المفعول له أي شرع ذلك توبة، من تاب الله عليه إذا قبل توبته. أو على المصدر أي وتاب الله عليكم توبة أو الحال بحذف مضاف أي فعليه صيام شهرين ذا توبة. مِنَ اللَّهِ صفتها. وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بحاله. حَكِيماً فيما أمر في شأنه.
[[سورة النساء (٤) : آية ٩٣]]
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣)
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً لما فيه من التهديد العظيم. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. «لا تقبل توبة قاتل المؤمن عمداً» . ولعله أراد به التشديد إذ روي عنه خلافه. والجمهور على أنه مخصوص بمن لم يتب لقوله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ ونحوه وهو عندنا إما مخصوص بالمستحل له كما ذكره عكرمة وغيره، ويؤيده أنه نزل في مقيس بن ضبابة وجد أخاه هشاماً قتيلاً في بني النجار ولم يظهر قاتله، فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يدفعوا إليه ديته فدفعوا إليه ثم حمل على مسلم فقتله ورجع إلى مكة مرتداً، أو المراد بالخلود المكث الطويل فإن الدلائل متظاهرة على أن عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم.
[[سورة النساء (٤) : آية ٩٤]]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤)