ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا للمشرك والموحد. رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ مثل المشرك على ما يقتضيه مذهبه من أن يدعي كل واحد من معبوديه عبوديته، ويتنازعوا فيه بعبد يتشارك فيه جمع، يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المختلفة في تحيره وتوزع قلبه، والموحد بمن خلص لواحد ليس لغيره عليه سبيل ورَجُلًا بدل من مثل وفيه صلة شُرَكاءُ، والتشاكس والتشاخص الاختلاف. وقرأ نافع وابن عامر والكوفيون سَلَماً بفتحتين، وقرئ بفتح السين وكسرها مع سكون اللام وثلاثتها مصادر سلم نعت بها، أو حذف منها ذا و «رجل سالم» أي وهناك رجل سالم، وتخصيص الرجل لأنه أفطن للضر والنفع. هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا صفة وحالاً ونصبه على التمييز ولذلك وحده، وقرئ «مثلين» للإشعار باختلاف النوع، أو لأن المراد على يَسْتَوِيانِ في الوصفين على أن الضمير للمثلين فإن التقدير مثل رجل ومثل رجل. الْحَمْدُ لِلَّهِ كل الحمد له لا يشاركه فيه على الحقيقة سواه، لأنه المنعم بالذات والمالك على الإِطلاق. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ فيشركون به غيره من فرط جهلهم.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٣٢)
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ فإن الكل بصدد الموت وفي عداد الموتى، وقرئ «مائت» و «مائتون» لأنه مما سيحدث.
ثُمَّ إِنَّكُمْ على تغليب المخاطب على الغيب. يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فتحتج عليهم بأنك كنت على الحق في التوحيد وكانوا على الباطل في التشريك، واجتهدت في الإرشاد والتبليغ ولجوا في التكذيب والعناد، ويعتذرون بالأباطيل مثل أَطَعْنا سادَتَنا ووَجَدْنا آباءَنا. وقيل المراد به الاختصام العام يخاصم الناس بعضهم بعضاً فيما دار بينهم في الدنيا.
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ بإضافة الولد والشريك إليه. وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. إِذْ جاءَهُ من غير توقف وتفكر في أمره. أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ وذلك يكفيهم مجازاة لأعمالهم، واللام تحتمل العهد والجنس، واستدل به على تكفير المبتدعة فإنهم يكذبون بما علم صدقه وهو ضعيف لأنه مخصوص بمن فاجأ ما علم مجيء الرسول به بالتكذيب.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥)
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ اللام للجنس ليتناول الرسل والمؤمنين لقوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ وقيل هو النبي صلّى الله عليه وسلم والمراد هو ومن تبعه كما في قوله: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ. وقيل الجائي هو الرسول والمصدق أبو بكر رضي الله عنه، وذلك يقتضي إضمار الذى وهو غير جائز. وقرئ «وَصَدَّقَ بِهِ» بالتخفيف أي صدق به الناس فأداه إليهم كما نزل من غير تحريف، أو صار صادقاً بسببه لأنه معجز يدل على صدقه «وَصَدَّقَ بِهِ» على البناء للمفعول.
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ في الجنة. ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ على إحسانهم.
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا خص الأسوأ للمبالغة فإنه إذا كفر كان غيره أولى بذلك، أو