للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكتمون بمعنى كاتمين، وفيه إشعار بأن استقباح اللبس لما يصحبه من كتمان الحق.

وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ عالمين بأنكم لابسون كاتمون فإنه أقبح إذ الجاهل قد يعذر.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٤٣]]

وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)

وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ يعني صلاة المسلمين وزكاتهم فإن غيرهما كلا صلاة ولا زكاة. أمرهم بفروع الإسلام بعد ما أمرهم بأصوله، وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بها. والزَّكاةَ من زكا الزرع، إذا نما، فإن إخراجها يستجلب بركة في المال ويثمر للنفس فضيلة الكرم. أو من الزكاة بمعنى: الطهارة، فإنها تطهر المال من الخبث والنفس من البخل.

وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ أي في جماعتهم، فإن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة لما فيها من تظاهر النفوس، وعبر عن الصلاة بالركوع احترازاً عن صلاة اليهود. وقيل الركوع: الخضوع والانقياد لما يلزمهم الشارع، قال الأضبط السعدي:

لا تذلَّ الضَّعِيفَ عَلَّكَ أَنْ تَرْ ... كَعَ يَوْماً والدهْرُ قَدْ رفعه

[[سورة البقرة (٢) : آية ٤٤]]

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤)

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ تقرير مع توبيخ وتعجيب. والبر: التوسع في الخير، من البر وهو الفضاء الواسع يتناول كل خير، ولذلك قيل البر ثلاثة: بر في عبادة الله تعالى، وبر في مراعاة الأقارب. وبر في معاملة الأجانب.

وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وتتركونها من البر كالمنسيات، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في أحبار المدينة، كانوا يأمرون سراً من نصحوه باتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم ولا يتبعونه. وقيل: كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدقون. وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ تبكيت كقوله: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي تتلون التوراة، وفيها الوعيد على العناد وترك البر ومخالفة القول العمل.

أَفَلا تَعْقِلُونَ قبح صنيعكم فيصدكم عنه، أو أفلا عقل لكم يمنعكم عما تعلمون وخامة عاقبته.

والعقل في الأصل الحبس، سمي به الإدراك الإنساني لأنه يحبسه عما يقبح، ويعقله على ما يحسن، ثم القوة التي بها النفس تدرك هذا الإدراك. والآية ناعية على من يعظ غيره ولا يتعظ بنفسه سوء صنيعه وخبث نفسه، وأن فعله فعل الجاهل بالشرع أو الأحمق الخالي عن العقل، فإن الجامع بينهما تأبى عنه شكيمته، والمراد بها حث الواعظ على تزكية النفس والإقبال عليها بالتكميل لتقوم فيقيم غيره، لا منع الفاسق عن الوعظ فإن الإخلال بأحد الأمرين المأمور بهما لا يوجب الإخلال بالآخر.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٤٥]]

وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥)

وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ متصل بما قبله، كأنهم لما أمروا بما يشق عليهم لما فيه من الكلفة وترك الرياسة والإعراض عن المال عولجوا بذلك، والمعنى استعينوا على حوائجكم بانتظار النجح والفرج توكلاً على الله، أو بالصوم الذي هو صبر عن المفطرات لما فيه من كسر الشهوة، وتصفية النفس. والتوسل بالصلاة والالتجاء إليها، فإنها جامعة لأنواع العبادات النفسانية والبدنية، من الطهارة وستر العورة وصرف المال فيهما، والتوجه إلى الكعبة والعكوف للعبادة، وإظهار الخشوع بالجوارح، وإخلاص النية بالقلب، ومجاهدة الشيطان، ومناجاة الحق، وقراءة القرآن، والتكلم بالشهادتين وكف النفس عن الأطيبين حتى تجابوا إلى تحصيل المآرب وجبر المصائب،

روي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا حَزبه أمر فزع إلى الصلاة

. ويجوز أن يراد بها الدعاء:

<<  <  ج: ص:  >  >>