للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو قيل: وامسحوا رؤوسكم فإنه كقوله: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ واختلف العلماء في قدر الواجب. فأوجب الشافعي رضي الله تعالى عنه: أقل ما يقع عليه الاسم أخذاً باليقين. وأبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: مسح ربع الرأس، لأنه عليه الصلاة والسلام مسح على ناصيته وهو قريب من الربع. ومالك رضي الله تعالى عنه:

مسح كله أخذاً بالاحتياط. وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ نصبه نافع وابن عامر وحفص والكسائي ويعقوب عطفاً على وجوهكم ويؤيده: السنة الشائعة، وعمل الصحابة، وقول أكثر الأئمة، والتحديد، إذ المسح لم يحد.

وجره الباقون على الجوار ونظيره كثير في القرآن والشعر كقوله تعالى: عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ وَحُورٌ عِينٌ بالجر في قراءة حمزة والكسائي، وقولهم جحر ضب خرب. وللنحاة باب في ذلك، وفائدته التنبيه على أنه ينبغي أن يقتصد في صب الماء عليها ويغسل غسلاً يقرب من المسح، وفي الفصل بينه وبين أخويه إيماء على وجوب الترتيب. وقرئ بالرفع على «وَأَرْجُلَكُمْ» مغسولة. وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا فاغتسلوا. وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماء فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ سبق تفسيره، ولعل تكريره ليتصل الكلام في بيان أنواع الطهارة. مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ أي ما يريد الأمر بالطهارة للصلاة أو الأمر بالتيمم تضييقًا عليكم. وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ لينظفكم، أو ليطهركم عن الذنوب فإن الوضوء تكفير للذنوب، أو ليطهركم بالتراب إذا أعوزكم التطهير بالماء. فمفعول يُرِيدُ في الموضعين محذوف واللام للعلة. وقيل مزيدة والمعنى: ما يريد الله أن يجعل عليكم من حرج حتى لا يرخص لكم في التيمم، ولكن يريد أن يطهركم وهو ضعيف لأن أن لا تقدر بعد المزيدة. وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ليتم بشرعه ما هو مطهرة لأبدانكم ومكفرة لذنوبكم نعمته عليكم في الدين، أو ليتم برخصه إنعامه عليكم بعزائمه. لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمته. والآية مشتملة على سبعة أمور كلها مثنى:

طهارتان أصل وبدل، والأصل اثنان مستوعب وغير مستوعب، وغير المستوعب باعتبار الفعل غسل ومسح وباعتبار المحل محدود وغير محدود، وأن آلتهما مائع وجامد، وموجبهما حدث أصغر وأكبر، وأن المبيح للعدول إلى البدل مرض أو سفر، وأن الموعود عليهما تطهير الذنوب وإتمام النعمة.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٧]]

وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧)

وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بالإِسلام لتذكركم المنعم وترغبكم في شكره. وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا يعني الميثاق الذي أخذه على المسلمين حين بايعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، أو ميثاقه ليلة العقبة أو بيعة الرضوان. وَاتَّقُوا اللَّهَ في إنساء نعمته ونقض ميثاقه. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي بخفياتها فيجازيكم عليها فضلاً عن جليات أعمالكم.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٨]]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا عداه بعلى لتضمنه معنى الحمل، والمعنى لا يحملنكم شدة بغضكم للمشركين على ترك العدل فيهم فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل، كمثلة وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشفياً مما في قلوبكم. اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى أي العدل أقرب للتقوى، صرح لهم بالأمر بالعدل وبين أنه بمكان من التقوى بعد ما نهاهم عن الجور وبين أنه مقتضى الهوى، وإذا كان هذا للعدل مع الكفار فما ظنك بالعدل مع المؤمنين. وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فيجازيكم به، وتكرير هذا الحكم إما لاختلاف السبب كما قيل إن الأولى نزلت في

<<  <  ج: ص:  >  >>