بمثله كقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ والمثل يحذف ويراد كثيراً لأن المثلين في حكم شيء واحد أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ مبالغة في التحذير وإقناط لأن من لا يقبل منه الفداء ربما يعفى عنه تكرماً وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ في دفع العذاب ومن مزيدة للاستغراق.
[[سورة آل عمران (٣) : آية ٩٢]]
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢)
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ أي لن تبلغوا حقيقة البر الذي هو كمال الخير، أو لن تنالوا بر الله الذي هو الرحمة والرضى والجنة. حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ أي من المال، أو ما يعمه وغيره كبذل الجاه في معاونة الناس، والبدن في طاعة الله والمهجة في سبيله.
روي (أنها لما نزلت جاء أبو طلحة فقال: يا رسول الله إن أحب أموالي إلي بيرحاء فضعها حيث أراك الله، فقال: بخ بخ ذاك مال رابح أو رائح، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. وجاء زيد بن حارثة بفرس كان يحبها فقال: هذه في سبيل الله فحمل عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسامة بن زيد فقال: زيد إنما أردت أن أتصدق بها فقال عليه السلام: إن الله قد قبلها منك)
أو ذلك يدل على أن إنفاق أحب الأموال على أقرب الأقارب أفضل، وأن الآية تعم الإِنفاق الواجب والمستحب. وقرئ «بعض ما تحبون» وهو يدل على أن من للتبعيض ويحتمل التبيين. وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ أي من أي شيء محبوب أو غيره ومن لبيان ما. فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ فيجازيكم بحسبه.
[[سورة آل عمران (٣) : آية ٩٣]]
كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣)
كُلُّ الطَّعامِ أي المطعومات والمراد أكلها. كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ حلالاً لهم، وهو مصدر نعت به ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث قال تعالى: لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ. إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ يعقوب. عَلى نَفْسِهِ كلحوم الإِبل وألبانها. وقيل كان به عرق النسا فنذر إن شفي لم يأكل أحب الطعام إليه وكان ذلك أحبه إليه. وقيل: فعل ذلك للتداوي بإشارة الأطباء. واحتج به من جوز للنبي أن يجتهد، وللمانع أن يقول ذلك بإذن من الله فيه فهو كتحريمه ابتداء. مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ أي من قبل إنزالها مشتملة على تحريم ما حرم عليهم لظلمهم وبغيهم عقوبة وتشديداً، وذلك رد على اليهود في دعوى البراءة مما نعى عليهم في قوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ وقوله: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ الآيتين، بأن قالوا لسنا أول من حرمت عليه وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعده حتى انتهى الأمر إلينا فحرمت علينا كما حرمت على من قبلنا، وفي منع النسخ والطعن في دعوى الرسول عليه السلام موافقة إبراهيم عليه السلام بتحليله لحوم الإِبل وألبانها. قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أمر بمحاجتهم بكتابهم وتبكيتهم بما فيه من أنه قد حرم عليهم بسبب ظلمهم ما لم يكن محرماً.
روي: أنه عليه السلام لما قاله لهم بهتوا ولم يجسروا أن يخرجوا التوراة. وفيه دليل على نبوته
. [سورة آل عمران (٣) : الآيات ٩٤ الى ٩٥]
فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥)
فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
ابتدعه على الله بزعمه أنه حرم ذلك قبل نزول التوراة على بني إسرائيل ومن قبلهم. مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
من بعد ما لزمتهم الحجة. فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
الذين لا ينصفون من أنفسهم ويكابرون الحق بعد ما وضح لهم.
قُلْ صَدَقَ اللَّهُ تعريض بكذبهم، أي ثبت أن الله صادق فيما أنزل وأنتم الكاذبون. فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ