اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ لما ذكر حال الفريقين في الآخرة حقر أمور الدنيا أعني ما لا يتوصل به إلى الفوز الآجل، بأن بين أنها أمور خيالية قليلة النفع سريعة الزوال لأنها لعب يتعب الناس فيه أنفسهم جداً إتعاب الصبيان في الملاعب من غير فائدة، ولهو يلهون به أنفسهم عما يهمهم وزينة كالملابس الحسنة والمراكب البهية والمنازل الرفيعة، وتفاخر بالأنساب أو تكاثر بالعدد والعدد، ثم قرر ذلك بقوله: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وهو تمثيل لها في سرعة تقضيها وقلة جدواها بحال نبات أنبته الغيث فاستوى وأعجب به الحراث، أو الكافرون بالله لأنهم أشداء إعجاباً بزينة الدنيا ولأن المؤمن إذا رأى معجباً انتقل فكره إلى قدرة صانعه فأعجب بها، والكافر لا يتخطى فكره عما أحس به فيستغرق فيه إعجاباً، ثم هاج أي يبس بعاهة فاصفر ثم صار حطاماً، ثم عظم أمور الآخرة الأبدية بقوله: وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ تنفيراً عن الانهماك في الدنيا وحثاً على ما يوجب كرامة العقبى، ثم أكد ذلك بقوله: وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ أي لمن أقبل عليها ولم يطلب إلا الآخرة. وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ أي لمن أقبل عليها ولم يطلب بها الآخرة.
سابِقُوا سارعوا مسارعة المسابقين في المضمار. إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ إلى موجباتها. وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي عرضها كعرضهما وإذا كان العرض كذلك فما ظنك بالطول، وقيل المراد به البسطة كقوله: فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فيه دليل على أن الجنة مخلوقة وأن الإِيمان وحده كاف في استحقاقها. ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ذلك الموعود يتفضل به على مَن يَشَاء مِنْ غير إيجاب. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ منه التفضل بذلك وإن عظم قدره.
مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ كجدب وعاهة. وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ كمرض وآفة. إِلَّا فِي كِتابٍ إلا مكتوبة في اللوح مثبتة في علم الله تعالى. مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها نخلقها والضمير لل مُصِيبَةٍ أو الْأَرْضِ أو للأنفس. إِنَّ ذلِكَ أي إثباته في كتاب. عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لاستغنائه تعالى فيه عن العدة والمدة. لِكَيْلا تَأْسَوْا أي أثبت وكتب كي لا تحزنوا عَلى مَا فاتَكُمْ من نعم الدنيا وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ بما أعطاكم الله منها فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر، وقرأ أبو عمرو بِما آتاكُمْ من الإِتيان ليعادل ما فاتكم، وعلى الأول فيه إشعار بأن فواتها يلحقها إذا خليت وطباعها، وأما حصولها وإبقاؤها فلا بد لهما من سبب يوجدها ويبقيها، والمراد به نفي الآسي المانع عن التسليم لأمر الله والفرح الموجب للبطر والاختيال، ولذلك عقبه بقوله: وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ إذ قل من يثبت نفسه في حالي الضراء والسراء.