عامر برواية ابن ذكوان على أنها كناية المصدر وكسرها بغير إشباع برواية هشام. قُلْ لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي على التبليغ أو القرآن. أَجْراً جعلاً من جهتكم كما لم يسأل من قبلي من النبيين، وهذا من جملة ما أمر بالاقتداء بهم فيه. إِنْ هُوَ أي التبليغ أو القرآن أو الغرض. إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ إلا تذكيراً وموعظة لهم.
[[سورة الأنعام (٦) : آية ٩١]]
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١)
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وما عرفوه حق معرفته في الرحمة والإِنعام على العباد. إِذْ قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ حين أنكروا الوحي وبعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وذلك من عظائم رحمته وجلائل نعمته أو في السخط على الكفار وشدة البطش بهم حين جسروا على هذه المقالة، والقائلون هم اليهود قالوا ذلك مبالغة في إنكار إنزال القرآن بدليل نقض كلامهم، وإلزامهم بقوله: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ وقراءة الجمهور تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً بالتاء وإنما قرأ بالياء ابن كثير وأبو عمرو حملاً على قالوا وما قدروا، وتضمن ذلك توبيخهم على سوء جهلهم بالتوراة وذمهم على تجزئتها بإبداء بعض انتخبوه وكتبوه في ورقات متفرقة وإخفاء بعض لا يشتهونه.
وروي (أن مالك بن الصيف قاله لما أغضبه الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله: أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى هل تجد فيها أن الله يبغض الحبر السمين قال: نعم إن الله يبغض الحبر السمين، قال عليه الصلاة والسلام: فأنت الحبر السمين)
وقيل هم المشركون وإلزامهم بإنزال التوراة لأنه كان من المشهورات الذائعة عندهم ولذلك كانوا يقولون لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ وَعُلِّمْتُمْ على لسان محمد صلّى الله عليه وسلّم. مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ زيادة على ما في التوراة وبياناً لما التبس عليكم وعلى آبائكم الذين كانوا أعلم منكم ونظيره إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. وقيل الخطاب لمن آمن من قريش قُلِ اللَّهُ أي أنزله الله، أو الله أنزله. أمره بأن يجيب عنهم إشعاراً بأن الجواب متعين لا يمكن غيره، وتنبيهاً على أنهم بهتوا بحيث إنهم لا يقدرون على الجواب. ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ في أباطيلهم فلا عليك بعد التبليغ وإلزام الحجة. يَلْعَبُونَ حال من هم الأول، والظرف صلة ذرهم أو يلعبون أو حال من مفعوله، أو فاعل يلعبون أو من هم الثاني والظرف متصل بالأول.
[[سورة الأنعام (٦) : آية ٩٢]]
وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢)
وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ كثير الفائدة والنفع. مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يعني التوراة أو الكتب التي قبله. وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى عطف على ما دل عليه مبارك أي للبركات ولتنذر أو علة لمحذوف أي ولتنذر أهل أم القرى أنزلناه، وإنما سميت مكة بذلك لأنها قبلة أهل القرى ومحجهم ومجتمعهم وأعظم القرى شأناً.
وقيل لأن الأرض دحيت من تحتها، أو لأنها مكان أول بيت وضع للناس. وقرأ أبو بكر عن عاصم بالياء أي ولينذر الكتاب. وَمَنْ حَوْلَها أهل الشرق والغرب. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ فإن من صدق بالآخرة خاف العاقبة ولا يزال الخوف يحمله على النظر والتدبر حتى يؤمن بالنبي والكتاب، والضمير يحتملهما ويحافظ على الطاعة وتخصيص الصلاة لأنها عماد الدين وعلم الإِيمان.
[[سورة الأنعام (٦) : آية ٩٣]]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣)