للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ فدعوهم ولا تتعرضوا لهم بشيء من ذلك، وفيه دليل على أن تارك الصلاة ومانع الزكاة لا يخلى سبيله. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ تعليل للأمر أي فخلوهم لأن الله غفور رحيم غفر لهم ما قد سلف وعدلهم الثواب بالتوبة.

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ المأمور بالتعرض لهم. اسْتَجارَكَ استأمنك وطلب منك جوارك.

فَأَجِرْهُ فأمنه. حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ويتدبره ويطلع على حقيقة الأمر. ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ موضع أمنه إن لم يسلم، وأحدٌ رفع بفعل يفسره ما بعده لا بالابتداء لأن إن من عوامل الفعل. ذلِكَ الأمن أو الأمر.

بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ما الإيمان وما حقيقة ما تدعوهم إليه فلا بد من أمانهم ريثما يسمعون ويتدبرون.

[[سورة التوبة (٩) : آية ٧]]

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧)

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ استفهام بمعنى الإِنكار والاستبعاد لأن يكون لهم عهد ولا ينكثوه مع وغرة صدورهم، أو لأن يفي الله ورسوله بالعهد وهم نكثوه، وخبر يكون كيف وقدم للاستفهام أو للمشركين أو عند الله وهو على الأولين صفة لل عَهْدٌ أو ظرف له أو ل يَكُونُ، وكَيْفَ على الأخيرين حال من ال عَهْدٌ ولِلْمُشْرِكِينَ إن لم يكن خبراً فتبيين. إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ هم المستثنون قبل ومحله النصب على الاستثناء أو الجر على البدل أو الرفع على أن الاستثناء منقطع أي: ولكن الذين عاهدتم منهم عند المسجد الحرام. فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ أي فتربصوا أمرهم فإن استقاموا على العهد فاستقيموا على الوفاء وهو كقوله فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ غير أنه مطلق وهذا مقيد وما تحتمل الشرطية والمصدرية إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ سبق بيانه.

[[سورة التوبة (٩) : آية ٨]]

كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨)

كَيْفَ تكرار لاستبعاد ثباتهم على العهد أو بقاء حكمه مع التنبيه على العلة وحذف الفعل للعلم به كما في قوله:

وَخَبَّرتماني أَنَّما الموْتُ بِالقُرَى ... فَكَيْفَ وَهَاتَا هَضْبَةٌ وَقَلِيبُ

أي فكيف مات. وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ أي وحالهم أنهم إن يظفروا بكم. لاَ يَرْقُبُوا فِيكُمْ لا يراعوا فيكم. إِلًّا حلفاً وقيل قرابة قال حسان:

لَعَمْرُكَ إِنَّ إِلَّكَ مِنْ قُرَيْش ... كَإِلَّ السَّقْبِ مِنْ رَأَلِ النَّعَامِ

وقيل ربوبية ولعله اشتق للحلف من الإِل وهو الجؤار لأنهم كانوا إذا تحالفوا رفعوا به أصواتهم وشهروه، ثم استعير للقرابة لأنها تعقد بين الأقارب ما لا يعقده الحلف، ثم للربوبية والتربية. وقيل اشتقاقه من ألل الشيء إذا حدده أو من آل البرق إذا لمع. وقيل إنه عبري بمعنى الإِله لأنه قرئ إيلا كجبرئل وجبرئيل. وَلا ذِمَّةً عهداً أو حقاً يعاب على إغفاله. يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ استئناف لبيان حالهم المنافية لثباتهم على العهد المؤدية إلى عدم مراقبتهم عند الظفر، ولا يجوز جعله حالاً من فاعل لا يرقبوا فإنهم بعد ظهورهم لا يرضون ولأن المراد إثبات إرضائهم المؤمنين بوعد الإِيمان والطاعة والوفاء بالعهد في الحال، واستبطان الكفر والمعاداة بحيث إن ظفروا لم يبقوا عليهم والحالية تنافيه وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ ما تتفوه به أفواههم. وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ متمردون لا عقيدة تزعهم ولا مروءة تردعهم، وتخصيص الأكثر لما في بعض

<<  <  ج: ص:  >  >>