ولذلك تؤكد به، فيقال: أصفر فاقع كما يقال أسود حالك، وفي إسناده إلى اللون وهو صفة صفراء لملابسته بها فضل تأكيد كأنه قيل صفراء شديدة الصفرة صفرتها، وعن الحسن سوداء شديدة السواد، وبه فسر قوله تعالى: جِمالَتٌ صُفْرٌ. قال الأعشى:
تِلْكَ خَيلي مِنْهُ وتلكَ رِكَابي ... هُنْ صُفُرٌ أَولادُها كالزَّبيبِ
ولعله عبر بالصفرة عن السواد لأنها من مقدماته، أو لأن سواد الإبل تعلوه صفرة وفيه نظر، لأن الصفرة بهذا المعنى لا تؤكد بالفقوع تَسُرُّ النَّاظِرِينَ أي تعجبهم، والسرور أصله لذة في القلب عند حصول نفع، أو توقعه من السر.
[[سورة البقرة (٢) : آية ٧٠]]
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠)
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ تكرير للسؤال الأول واستكشاف زائد. وقوله: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا اعتذار عنه، أي إن البقر الموصوف بالتعوين والصفرة كثير فاشتبه علينا، وقرئ «إن الباقر» وهو اسم لجماعة البقر والأباقر والبواقر، ويتشابه وتتشابه بالياء والتاء، وتشابه ويشابه وتشّابه بطرح التاء وإدغامها في الشين على التذكير والتأنيث، وتشابهت وتشابهت مخففاً ومشدداً، وتشبه بمعنى تتشبه وتشبه بالتذكير ومتشابه ومتشابهة ومتشبه ومتشبهة. وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ
إلى المراد ذبحها، أو إلى القاتل،
وفي الحديث «لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد»
. واحتج به أصحابنا على أن الحوادث بإرادة الله سبحانه وتعالى، وأن الأمر قد ينفك عن الإرادة وإلا لم يكن للشرط بعد الأمر معنى. والمعتزلة والكرامية على حدوث الإرادة، وأجيب بأن التعليق باعتبار التعلق.
[[سورة البقرة (٢) : آية ٧١]]
قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)
قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ أي لم تذلل لكراب الأرض وسقي الحرث، ولا ذَلُولٌ صفة لبقرة بمعنى غير ذلول، ولا الثانية مزيدة لتأكيد الأولى والفعلان صفتا ذلول كأنه قيل: لا ذلول مثيرة وساقية، وقرئ «لا ذلول» بالفتح أي حيث هي، كقولك مررت برجل لا بخيل ولا جبان، أي حيث هو، وتسقي من أسقى. مُسَلَّمَةٌ سلمها الله تعالى من العيوب، أو أهلها من العمل، أو أخلص لونها، من سلم له كذا إذا خلص له لا شِيَةَ فِيها لا لون فيها يخالف لون جلدها، وهي في الأصل مصدر، وشاه وشيا وشية إذا خلط بلونه لوناً آخر. قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ أي بحقيقة وصف البقرة وحققتها لنا، وقرئ «الآن» بالمد على الاستفهام، و «لان» بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام. فَذَبَحُوها فيه اختصار، والتقدير: فحصلوا البقرة المنعوتة فذبحوها. وَما كادُوا يَفْعَلُونَ لتطويلهم وكثرة مراجعاتهم، أو لخوف الفضيحة في ظهور القاتل، أو لغلاء ثمنها. إذ
روي: أن شيخاً صالحاً منهم كان له عِجلة، فأتى بها الغيضة وقال: اللهم إني استودعتكها لابني حتى يكبر، فشبت وكانت وحيدة بتلك الصفات، فساوموها من اليتيم وأمه حتى اشتروها بملء مسكها ذهباً، وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير
. وكاد من أفعال المقاربة وضع لدنو الخبر حصولاً، فإذا دخل عليه النفي قيل معناه الإثبات مطلقاً. وقيل ماضياً، والصحيح أنه كسائر الأفعال ولا ينافي قوله: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ قوله فَذَبَحُوها لاختلاف وقتيهما، إذ المعنى أنهم ما قاربوا أن يفعلوا حتى انتهت سؤالاتهم، وانقطعت تعللاتهم، ففعلوا كالمضطر الملجأ إلى الفعل.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٧٢ الى ٧٣]
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣)