الأشياء مدرجاً مع القدرة على إيجادها دفعة دليل للاختيار واعتبار للنظار وحث على التأني في الأمور. ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ استوى أمره أو استولى، وعن أصحابنا أن الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف، والمعنى: أن له تعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزهاً عن الاستقرار والتمكن، والعرش الجسم المحيط بسائر الأجسام سمي به لارتفاعه، أو للتشبيه بسرير الملك فإن الأمور والتدابير تنزل منه وقيل الملك. يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يغطيه به ولم يذكر عكسه للعلم به، أو لأن اللفظ يحتملهما ولذلك قرئ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ بنصب اللَّيْلَ ورفع النَّهارَ. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر عن عاصم بالتشديد فيه وفي «الرعد» للدلالة على التكرير. يَطْلُبُهُ حَثِيثاً يعقبه سريعاً كالطالب له لا يفصل بينهما شيء، والحثيث فعيل من الحث وهو صفة مصدر محذوف أو حال من الفاعل بمعنى حاثاً، أو المفعول بمعنى محثوثاً. وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ بقضائه وتصريفه ونصبها بالعطف على السموات ونصب مسخرات على الحال. وقرأ ابن عامر كلها بالرفع على الابتداء والخبر. أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فإنه الموجد والمتصرف. تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ تعالى بالوحدانية في الألوهية وتعظم بالتفرد في الربوبية.
وتحقيق الآية والله سبحانه وتعالى أعلم، أن الكفرة كانوا متخذين أرباباً فبين لهم أن المستحق للربوبية واحد وهو الله سبحانه وتعالى، لأنه الذي له الخلق والأمر فإنه سبحانه وتعالى خلق العالم على ترتيب قويم وتدبير حكيم فأبدع الأفلاك ثم زينها بالكواكب كما أشار إليه بقوله تعالى: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وعمد إلى إيجاد الأجرام السفلية فخلق جسماً قابلاً للصور المتبدلة والهيئات المختلفة، ثم قسمها بصور نوعية متضادة الآثار والأفعال وأشار إليه بقوله وخلق الأرض أي ما في جهة السفل في يومين، ثم أنشأ أنواع المواليد الثلاثة بتركيب موادها أولاً وتصويرها ثانياً كما قال تعالى بعد قوله: خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أي مع اليومين الأولين لقوله تعالى في سورة السجدة اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثم لما تم له عالم الملك عمد إلى تدبيره كالملك الجالس على عرشه لتدبير المملكة، فدبر الأمر مِنَ السماء إِلَى الأرض بتحريك الأفلاك وتسيير الكواكب وتكوير الليالي والأيام، ثم صرح بما هو فذلكة التقرير ونتيجته فقال: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ثم أمرهم بأن يدعوه متذللين مخلصين فقال:
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً أي ذوي تضرع وخفية فإن الإخفاء دليل الإخلاص. إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ المجاوزين ما أمروا به في الدعاء وغيره، نبه به على أن الداعي ينبغي أن لا يطلب ما لا يليق به كرتبة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والصعود إلى السماء. وقيل هو الصياح في الدعاء والاسهاب فيه.
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم، «سيكون قوم يعتدون في الدعاء، وحسب المرء أن يقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ثم قرأ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» .
وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالكفر والمعاصي. بَعْدَ إِصْلاحِها ببعث الأنبياء وشرع الأحكام. وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ذوي خوف من الرد لقصور آمالكم وعدم استحقاقكم، وطمع في إجابته تفضلاً وإحساناً لفرط رحمته إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ترجيح للطمع وتنبيه على ما يتوسل به إلى الإجابة، وتذكير قريب لأن الرحمة بمعنى الرحم، أو لأنه صفة محذوف أي أمر قريب، أو على تشبيهه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول، أو الذي هو مصدر كالنقيض، أو الفرق بين القريب من النسب والقريب من غيره.