للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورجاء قال تعالى: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ. أو من مفعول خَلَقَكُمْ والمعطوف عليه على معنى أنه خلقكم ومن قبلكم في صورة من يرجى منه التقوى لترجح أمره باجتماع أسبابه، وكثرة الدواعي إليه. وغلب المخاطبين على الغائبين في اللفظ، والمعنى على إرادتهم جميعاً. وقيل تعليل للخلق أي خلقكم لكي تتقوا كما قال: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. وهو ضعيف إذ لم يثبت في اللغة مثله.

والآية تدل على أن الطريق إلى معرفة الله تعالى والعلم بوحدانيته واستحقاقه للعبادة، النظر في صنعه والاستدلال بأفعاله، وأن العبد لا يستحق بعبادته عليه ثواباً، فإنها لما وجبت عليه شكراً لما عدده عليه من النعم السابقة فهو كأجير أخذ الأجر قبل العمل.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢]]

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً صفة ثانية، أو مدح منصوب، أو مرفوع، أو مبتدأ خبره فلا تجعلوا وجعل من الأفعال العامة يجيء على ثلاثة أوجه: بمعنى صار، وطفق فلا يتعدى كقوله:

فَقَدْ جعلتُ قلوصَ بني سُهَيل ... مِنْ الأَكْوارِ مرتعُها قَريبُ

وبمعنى أوجد فيتعدّى إلى مفعول واحد كقوله تعالى: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ وبمعنى صير، ويتعدى إلى مفعولين كقوله تعالى: جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً والتصيير يكون بالفعل تارة، وبالقول أو العقد أخرى.

ومعنى جعلها فراشاً أن جعل بعض جوانبها بارزاً ظاهراً عن الماء، مع ما في طبعه من الإحاطة بها، وصيرها متوسطة بين الصلاة واللطافة حتى صارت مهيأة لأن يقعدوا ويناموا عليها كالفراش المبسوط، وذلك لا يستدعي كونها مسطحة، لأن كرية شكلها مع عظم حجمها. واتساع جرمها لا تأبى الافتراش عليها.

وَالسَّماءَ بِناءً قبة مضروبة عليكم. والسماء اسم جنس يقع على الواحد والمتعدد كالدينار والدرهم، وقيل: جمع سماءة. والبناء مصدر، سمي به المبنى بيتاً كان أو قبة أو خباء، ومنه بني على امرأته، لأنهم كانوا إذا تزوجوا ضربوا عليها خباءً جديداً.

وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ عطف على (جعل) ، وخروج الثمار بقدرة الله تعالى ومشيئته، ولكن جعل الماء الممزوج بالتراب سبباً في إخراجها ومادة لها كالنطفة للحيوان، بأن أجرى عادته بإفاضة صورها وكيفياتها على المادة الممتزجة منهما، أو أودع في الماء قوة فاعلة وفي الأرض قوة قابلة يتولد من اجتماعهما أنواع الثمار، وهو قادر على أن يوجد الأشياء كلها بلا أسباب ومواد كما أبدع نفوس الأسباب والمواد، ولكن له في إنشائها مدرجاً من حال إلى حال، صنائع وحكم يجدد فيها لأُولي الأبصار عبراً، وسكوناً إلى عظيم قدرته ليس في إيجادها دفعة، ومِنَ الأولى للابتداء سواء أريد بالسماء السحاب فإن ما علاك سماء، أو الفلك فإن المطر يبتدئ من السماء إلى السحاب ومنه إلى الأرض على ما دلت عليه الظواهر. أو من أسباب سماوية تثير الأجزاء الرطبة من أعماق الأرض إلى جو الهواء فتنعقد سحاباً ماطراً. ومِنَ الثانية للتبعيض بدليل قوله تعالى: فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ واكتناف المنكرين له أعني ماء ورزقاً كأنه قال: وأنزلنا من السماء بعض الماء فأخرجنا به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم، وهكذا الواقع إذ لم ينزل من السماء الماء كله، ولا أخرج بالمطر كل الثمرات، ولا جعل كل المرزوق ثماراً. أو للتبيين، ورزقاً مفعول بمعنى المرزوق كقولك أنفقت من الدراهم ألفاً. وإنما ساغ الثمرات والموضع موضع الكثرة، لأنه أراد بالثمرات جماعة الثمرة التي في قولك أدركت ثمرة بستانه، ويؤيده قراءة من قرأ: «من الثمرة» على التوحيد.

أو لأن الجموع يتعاور بعضها موقع بعض كقوله تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وقوله: ثَلاثَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>