فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ظاهره أن توليه عنهم كان بعد أن أبصرهم جاثمين، ولعله خاطبهم به بعد هلاكهم كما
خاطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهل قليب بدر وقال: «إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا» .
أو ذكر ذلك على سبيل التحسر عليهم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨٠ الى ٨١]
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١)
وَلُوطاً أي وأرسلنا لوطاً. إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ وقت قوله لهم أو واذكر لوطاً وإذ بدل منه. أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ توبيخ وتقريع على تلك الفعلة المتمادية في القبح. مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ ما فعلها قبلكم أحد قط. والباء للتعدية ومن الأولى لتأكيد النفي والاستغراق، والثانية للتبعيض. والجملة استئناف مقرر للإِنكار كأنه وبخهم أولاً بإتيان الفاحشة ثم باختراعها فإنه أسوأ.
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بيان لقوله: أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وهو أبلغ في الإِنكار والتوبيخ، وقرأ نافع وحفص «إنكم» على الإِخبار المستأنف، وشهوة مفعول له أو مصدر في موقع الحال وفي التقييد بها وصفهم بالبهيمية الصرفة، وتنبيه على أن العاقل ينبغي أن يكون الداعي له إلى المباشرة طلب الولد وبقاء النوع، لا قضاء الوطر. بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ إضراب عن الإِنكار إلى الإِخبار عن حالهم التي أدت بهم إلى ارتكاب أمثالها وهي اعتياد الإِسراف في كل شيء، أو عن الإِنكار عليها إلى الذم على جميع معايبهم، أو عن محذوف مثل لا عذر لكم فيه بل أنتم قوم عادتكم الإِسراف.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨٢ الى ٨٤]
وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤)
وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ أي ما جاءوا بما يكون جواباً عن كلامه، ولكنهم قابلوا نصحه بالأمر بإخراجه فيمن معه من المؤمنين من قريتهم والاستهزاء بهم فقالوا: إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ أي من الفواحش.
فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ أي من آمن به. إِلَّا امْرَأَتَهُ استثناء من أهله فإنها كانت تسر الكفر. كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ من الذين بقوا في ديارهم فهلكوا والتذكير لتغليب الذكور.
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً أي نوعاً من المطر عجيباً وهو مبين بقوله: وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ
روي: أن لوط بن هاران بن تارح لما هاجر مع عمه إبراهيم عليه السلام إلى الشام نزل بالأردن، فأرسله الله إلى أهل سدوم ليدعوهم إلى الله وينهاهم عما اخترعوه من الفاحشة، فلم ينتهوا عنها فأمطر الله عليهم الحجارة فهلكوا.
وقيل خسف بالمقيمين منهم وأمطرت الحجارة على مسافريهم.
[[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٥]]
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥)
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً أي وأرسلنا إليهم، وهم أولاد مدين بن إبراهيم خليل الله شعيب بن ميكائيل