للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فشهدت له، فقال لا أرضى منك إلا أن تأتيه فتطأ قفاه وتبزق في وجهه، فوجده ساجداً في دار الندوة ففعل ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف، فأسر يوم بدر فأمر علياً فقتله وطعن أبَياً بِأُحُدْ في المبارزة فرجع إلى مكة ومات.

يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا طريقاً إلى النجاة أو طريقاً واحداً وهو طريق الحق ولم تتشعب بي طرق الضلالة.

يَا وَيْلَتى وقرئ بالياء على الأصل. لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا يعني من أضله وفلان كناية عن الأعلام كما أن هنا كناية عن الأجناس.

لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ عن ذكر الله أو كتابه أو موعظة الرسول، أو كلمة الشهادة. بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وتمكنت منه. وَكانَ الشَّيْطانُ يعني الخليل المضل أو إبليس لأنه حمله على مخالته ومخالفة الرسول، أو كل من تشيطن من جن وإنس. لِلْإِنْسانِ خَذُولًا يواليه حتى يؤديه إلى الهلاك ثم يتركه ولا ينفعه، فعول من الخذلان.

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٣٠ الى ٣١]

وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١)

وَقالَ الرَّسُولُ محمد يومئذ أو في الدنيا بثاً إلى الله تعالى. يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي قريشاً. اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً بأن تركوه وصدوا عنه،

وعنه عليه الصلاة والسلام «من تعلم القرآن وعلق مصحفه ولم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقاً به يقول: يا رب عبدك هذا اتخذني مهجوراً اقض بيني وبينه»

أو هجروا ولغوا فيه إذا سمعوه أو زعموا أنه هجر وأساطير الأولين، فيكون أصله مَهْجُوراً فيه فحذف الجار ويجوز أن يكون بمعنى الهجر كالمجلود والمعقول، وفيه تخويف لقومه فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجل لهم العذاب.

وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ كما جعلناه لك فاصبر كما صبروا، وفيه دليل على أنه خالق الشر، والعدو يحتمل الواحد والجمع. وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً إلى طريق قهرهم. وَنَصِيراً لك عليهم.

[[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٣٢]]

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢)

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أي أنزل عليه كخبر بمعنى أخبر لئلا يناقض قوله: جُمْلَةً واحِدَةً دفعة واحدة كالكتب الثلاثة، وهو اعتراض لا طائل تحته لأن الإِعجاز لا يختلف بنزوله جملة أو مفرقاً مع أن للتفريق فوائد منها ما أشار إليه بقوله: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ أي كذلك أنزلناه مفرقا لنقوي بتفريقه فؤادك على حفظه وفهمه، لأن حاله يخالف حال موسى وداود وعيسى حيث كان عليه الصلاة والسلام أمياً وكانوا يكتبون، فلو ألقي عليه جملة لعيل بحفظه، ولعله لم يستتب له فإن التلقف لا يتأتى إلا شيئاً فشيئاً، ولأن نزوله بحسب الوقائع يوجب مزيد بصيرة وغوص في المعنى، ولأنه إذا نزل منجماً وهو يتحدى بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك قوة قلبه، ولأنه إذا نزل به جبريل حالاً بعد حال يثبت به فؤاده ومنها معرفة الناسخ والمنسوخ ومنها انضمام القرائن الحالية إلى الدلالات اللفظية، فإنه يعين على البلاغة، وكذلك صفة مصدر محذوف والإِشارة إلى إنزاله مفرقاً فإنه مدلول عليه بقوله لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ويحتمل أن يكون من تمام كلام الكفرة ولذلك وقف عليه فيكون حالاً والإِشارة إلى الكتب السابقة، واللام على الوجهين متعلق بمحذوف. وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا وقرأناه عليك شيئاً بعد شيء على تؤدة وتمهل في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين وأصل الترتيل في الأسنان وهو تفليجها.

<<  <  ج: ص:  >  >>