مستحيل، ولعل ترتيب الحكم بصفة الرحمانية للإِشعار بأن كل ما عداه نعمة ومنعم عليه فلا يجانس من هو مبدأ النعم كلها ومولي أصولها وفروعها، فكيف يمكن أن يتخذه ولداً ثم صرح به في قوله:
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٩٣ الى ٩٥]
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥)
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي ما منهم. إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً إلا وهو مملوك له يأوي إليه بالعبودية والانقياد، وقرئ «آتِ الرحمن» على الأصل.
لَقَدْ أَحْصاهُمْ حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يخرجون عن حوز علمه وقبضة قدرته. وَعَدَّهُمْ عَدًّا عد أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم فإن كل شيء عنده بمقدار.
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً منفرداً عن الاتباع والأنصار فلا يجانسه شيء من ذلك ليتخذه ولداً ولا يناسبه ليشرك به.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٩٦ الى ٩٧]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا سيحدث لهم في القلوب مودة من غير تعرض منهم لأسبابها،
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم «إذا أحب الله عبداً يقول لجبريل أحببت فلاناً فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم توضع له المحبة في الأرض» .
والسين إما لأن السورة مكية وكانوا ممقوتين حينئذ بين الكفرة فوعدهم ذلك إذا دجا الإسلام، أو لأن الموعود في القيامة حين تعرض حسناتهم على رؤوس الأشهاد فينزع ما في صدورهم من الغل.
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ بأن أنزلناه بلغتك، والباء بمعنى على أو على أصله لتضمن يَسَّرْناهُ معنى أنزلناه أي أنزلناه بلغتك. لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ الصائرين إلى التقوى. وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا
أشداء الخصومة آخذين في كل لديد، أي شق من المراء لفرط لجاجهم فبشر به وأنذر.
[[سورة مريم (١٩) : آية ٩٨]]
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨)
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ تخويف للكفرة وتجسير للرسول صلّى الله عليه وسلّم على إنذارهم. هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ هل تشعر بأحد منهم وتراه. أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً وقرئ تَسْمَعُ من أسمعت والركز الصوت الخفي، وأصل التركيب هو الخفاء ومنه ركز الرمح إذا غيب طرفه في الأرض، والركاز المال المدفون.
عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من قرأ سورة مريم أعطي عشر حسنات بعدد من كذب زكريا وصدق به ويحيى ومريم وعيسى وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المذكورين فيها وبعدد من دعا الله في الدنيا ومن لم يدع الله» .