وَلِسُلَيْمانَ وسخرنا له ولعل اللام فيه دون الأول لأن الخارق فيه عائد إلى سليمان نافع له، وفي الأول أمر يظهر في الجبال والطير مع داود وبالإِضافة إليه. الرِّيحَ عاصِفَةً شديدة الهبوب من حيث إنها تبعد بكرسيه في مدة يسيرة كما قال تعالى: غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وكانت رخاء في نفسها طيبة. وقيل كانت رخاء تارة وعاصفة أخرى حسب إرادته. تَجْرِي بِأَمْرِهِ بمشيئته حال ثانية أو بدل من الأولى أو حال من ضميرها. إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها إلى الشام رواحاً بعد ما سارت به منه بكرة. وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ فنجريه على ما تقتضيه الحكمة.
وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ في البحار ويخرجون نفائسها، وَمِنَ عطف على الرِّيحَ أو مبتدأ خبره ما قبله وهي نكرة موصوفة. وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ ويتجاوزون ذلك إلى أعمال أخر كبناء المدن والقصور واختراع الصنائع الغريبة كقوله تعالى: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ. وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ أن يزيغوا عن أمره أو يفسدوا على ما هو مقتضى جبلتهم.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨٣ الى ٨٤]
وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)
وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ بأني مسني الضر، وقرئ بالكسر على إضمار القول أو تضمين النداء معناه والضُّرُّ بالفتح شائع في كل ضرر، وبالضم خاص بما في النفس كمرض وهزال. وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وصف ربه بغاية الرحمة بعد ما ذكر نفسه بما يوجبها واكتفى بذلك عن عرض المطلوب لطفاً في السؤال، وكان رومياً من ولد عيص بن إسحاق استنبأه الله وكثر أهله وماله فابتلاه الله بهلاك أولاده بهدم بيت عليهم وذهاب أمواله، والمرض في بدنه ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو سبعاً وسبعة أشهر وسبع ساعات.
روي أن امرأته ما خير بنت ميشا بن يوسف، أو رحمة بنت افراثيم بن يوسف قالت له يوماً: لو دعوت الله فقال: كم كانت مدة الرخاء فقالت ثمانين سنة فقال: أستحيي من الله أن أدعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي.
فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ بالشفاء من مرضه. وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ بأن ولد له ضعف ما كان أو أحيي ولده وولد له منهم نوافل. رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ رحمة على أيوب وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر فيثابوا كما أثيب، أو لرحمتنا للعابدين فإنا نذكرهم بالإِحسان ولا ننساهم.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨٥ الى ٨٦]
وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦)
وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ يعني إلياس، وقيل يوشع، وقيل زكريا سمي به لأنه كان ذا حظ من الله تعالى أو تكفل أمته أو له ضعف عمل أنبياء زمانه وثوابهم، والكفل يجيء بمعنى النصيب والكفالة والضعف. كُلٌّ كل هؤلاء. مِنَ الصَّابِرِينَ على مشاق التكاليف وشدائد النوب.
وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا يعني النبوة أو نعمة الآخرة. إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ الكاملين في الصلاح وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن صلاحهم معصوم عن كدر الفساد.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨٧ الى ٨٨]
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لاَّ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)