أناساً مؤمنين بين أظهر الكافرين جاهلين بهم فيصيبكم بإهلاكهم مكروه لما كف أيديكم عنهم. لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ علة لما دل عليه كف الأيدي عن أهل مكة صوناً لمن فيها من المؤمنين، أي كان ذلك ليدخل الله في رحمته أي في توفيقه لزيادة الخير أو للإِسلام. مَنْ يَشاءُ من مؤمنيهم أو مشركيهم. لَوْ تَزَيَّلُوا لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض، وقرئ «تزايلوا» . لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً بالقتل والسبي.
[[سورة الفتح (٤٨) : آية ٢٦]]
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦)
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مقدر باذكر أو ظرف لَعَذَّبْنَا أو صَدُّوكُمْ. فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ الأنفة.
حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ التي تمنع إذعان الحق. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فأنزل عليهم الثبات والوقار وذلك ما
روي «أنه عليه الصلاة والسلام لما هم بقتالهم بعثوا سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ليسألوه أن يرجع من عامه على أن يخلي له قريش مكة من القابل ثلاثة أيام، فأجابهم وكتبوا بينهم كتابا، فقال عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقالوا ما نعرف هذا اكتب باسمك اللهم ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله أهل مكة فقالوا: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة فقال عليه الصلاة والسلام: اكتب ما يريدون»
فَهَمَّ المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا عليهم فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا وتحملوا. وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى كلمة الشهادة أو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ محمد رسول الله اختارها لهم، أو الثبات والوفاء بالعهد وإضافة ال كَلِمَةَ إلى التَّقْوى لأنها سببها أو كلمة أهلها. وَكانُوا أَحَقَّ بِها من غيرهم. وَأَهْلَها والمستأهلين لها. وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً فيعلم أهل كل شيء وييسره له.
[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٢٨)
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا رأى عليه الصلاة والسلام أنه وأصحابه دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصروا، فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا وحسبوا أن ذلك يكون في عامهم، فلما تأخر قال بعضهم والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا البيت فنزلت والمعنى صدقة في رؤياه. بِالْحَقِّ ملتبساً به فإن ما رآه كائن لا محالة في وقته المقدر له وهو العام القابل، ويجوز أن يكون بِالْحَقِّ صفة مصدر محذوف أي صدقاً ملتبساً بِالْحَقِّ وهو القصد إلى التمييز بين الثابت على الإِيمان والمتزلزل فيه، وأن يكون قسماً إما باسم الله تعالى أو بنقيض الباطل وقوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ جوابه وعلى الأولين جواب قسم محذوف. إِنْ شاءَ اللَّهُ تعليق للعدة. بالمشيئة تعليماً للعباد، أو إشعاراً بأن بعضهم لا يدخل لموت أو غيبة أو حكاية لما قاله ملك الرؤيا، أو النبي صلّى الله عليه وسلم لأصحابه. آمِنِينَ حال من الواو والشرط معترض. مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ أي محلقاً بعضكم ومقصراً آخرون. لاَ تَخافُونَ حال مؤكدة أو استئناف أي لا تخافون بعد ذلك. فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا من الحكمة في تأخير ذلك. فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ من دون دخولكم المسجد أو فتح مكة. فَتْحاً قَرِيباً هو فتح خيبر ليستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الموعود.
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ملتبساً به أو بسببه أو لأجله. وَدِينِ الْحَقِّ وبدين الإِسلام.
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ليغلبه على جنس الدين كله بنسخ ما كان حقاً وإظهار فساد ما كان باطلاً، أو بتسليط المسلمين على أهله إذ ما من أهل دين إلا وقد قهرهم المسلمون، وفيه تأكيد لما وعده من الفتح.