للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْ يَقُولُونَ بل أيقولون. افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً افترى محمد بدعوى النبوة أو القرآن. فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ استبعاد للافتراء عن مثله بالإِشعار على أنه إنما يجترئ عليه من كان مختوماً على قلبه جاهلاً بربه، فأما من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا، وكأنه قال: إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه. وقيل يختم على قلبك يمسك القرآن أو الوحي عنه، أو يربط عليه بالصبر فلا يشق عليك أذاهم. وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ استئناف لنفي الافتراء عما يقوله بأنه لو كان مفترى لمحقه إذ من عادته تعالى محو الباطل وإثبات الحق بوحيه أو بقضائه أو بوعده، بمحو باطلهم وإثبات حقه بالقرآن، أو بقضائه الذي لا مرد له، وسقوط الواو من يَمْحُ في بعض المصاحف لاتباع اللفظ كما في قوله: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ.

[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٥ الى ٢٦]

وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦)

وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ بالتجاوز عما تابوا عنه، والقبول يعدى إلى مفعول ثان بمن وعن لتضمنه معنى الأخذ والإِبانة، وقد عرفت حقيقة التوبة.

وعن علي رضي الله عنه: هي اسم يقع على ستة معان: على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضييع الفرائض الإِعادة، ورد المظالم وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته.

وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ صغيرها وكبيرها لمن يشاء. وَيَعْلَمُ مَا يَفْعَلُونَ فيجازي ويتجاوز عن إتقان وحكمة، وقرأ الكوفيون غير أبي بكر ما تَفْعَلُونَ بالتاء.

وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي يستجيب الله لهم فحذف اللام كما حذف في وَإِذا كالُوهُمْ والمراد إجابة الدعاء أو الإِثابة على الطاعة، فإنها كدعاء وطلب لما يترتب عليها. ومنه

قوله عليه الصلاة والسلام «أفضل الدعاء الحمد لله»

، أو يستجيبون لله بالطاعة إذا دعاهم إليها. وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ على ما سألوا واستحقوا واستوجبوا له بالاستجابة. وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بدل ما للمؤمنين من الثواب والتفضل.

[[سورة الشورى (٤٢) : آية ٢٧]]

وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧)

وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ لتكبروا وأفسدوا فيها بطراً، أو لبغى بعضهم على بعض استيلاء واستعلاء وهذا على الغالب، وأصل البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى كمية أو كيفية. وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ بتقدير. مَا يَشاءُ كما اقتضته مشيئته. إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ يعلم خفايا أمرهم وجلايا حالهم فيقدر لهم ما يناسب شأنهم.

روي أن أهل الصفة تمنوا الغنى فنزلت.

وقيل في العرب كانوا إذا أخصبوا تحاربوا وإذا أجدبوا انتجعوا.

[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]

وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩)

وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص بالنافع، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم يُنَزِّلُ بالتشديد. مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا أيسوا منه، وقرئ بكسر النون. وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان. وَهُوَ الْوَلِيُّ الذي يتولى عباده بإحسانه ونشر رحمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>