للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالاجتهاد في مخالفتهم وإزاحة باطلهم. جِهاداً كَبِيراً لأن مجاهدة السفهاء بالحجج أكبر من مجاهدة الأعداء بالسيف، أو لأن مخالفتهم ومعاداتهم فيما بين أظهرهم مع عتوهم وظهورهم، أو لأنه جهاد مع كل الكفرة لأنه مبعوث إلى كافة القرى.

[[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٥٣]]

وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣)

وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ خلاهما متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان من مرج دابته إذا خلاها.

هذا عَذْبٌ فُراتٌ قامع للعطش من فرط عذوبته. وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ بليغ الملوحة، وقرئ «مِلْحٌ» على فعل ولعل أصله مالح فخفف كبرد في بارد. وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً حاجزاً من قدرته. وَحِجْراً مَحْجُوراً وتنافراً بليغاً كأن كلاً منهما يقول للآخر ما يقوله المتعوذ للمتعوذ عنه، وقيل حدا محدوداً وذلك كدجلة تدخل البحر فتشقه فتجري في خلاله فراسخ لا يتغير طعمها، وقيل المراد بالبحر العذب النهر العظيم مثل النيل وبالبحر الملح البحر الكبير وبالبرزخ ما يحول بينهما من الأرض فتكون القدرة في الفصل واختلاف الصفة مع أن مقتضى طبيعة أجزاء كل عنصر أن تضامت وتلاصقت وتشابهت في الكيفية.

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥)

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً يعني الذي خمر به طينة آدم، أو جعله جزءاً من مادة البشر لتجتمع وتسلس وتقبل الأشكال والهيئات بسهولة، أو النطفة. فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً أي قسمه قسمين ذوي نسب أي ذكورا ينسب إليهم، وذوات صهر أي إناثاً يصاهر بهن كقوله تعالى: فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى.

وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً حيث خلق من مادة واحدة بشراً ذا أعضاء مختلفة وطباع متباعدة وجعله قسمين متقابلين، وربما يخلق من نطفة واحدة توأمين ذكراً وأنثى.

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ يعني الأصنام أو كل ما عبد من دون الله إذ ما من مخلوق يستقل بالنفع والضر. وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً يظاهر الشيطان بالعداوة والشرك والمراد ب الْكافِرُ الجنس أو أبو جهل. وقيل هيناً مهيناً لا وقع له عنده من قولهم ظهرت به إذا نبذته خلف ظهرك فيكون كقوله وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ.

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]

وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧)

وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً للمؤمنين والكافرين.

قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ على تبليغ الرسالة الذي يدل عليه إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً. مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ إلا فعل مَن شَاء. أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا أن يتقرب إليه ويطلب الزلفى عنده بالإِيمان والطاعة، فصور ذلك بصورة الأجر من حيث إنه مقصود فعله واستثناه منه قلعاً لشبهة الطمع وإظهاراً لغاية الشفقة، حيث اعتد بإنفاعك نفسك بالتعرض للثواب والتخلص عن العقاب أجراً وافياً مرضياً به مقصوراً عليه، وإشعاراً بأن طاعتهم تعود عليه بالثواب من حيث إنها بدلالته. وقيل الاستثناء منقطع معناه لكن مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إلى ربه سبيلا فليفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>