لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً كما زعموا. لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشاءُ إذ لا موجود سواه إلا وهو مخلوقه لقيام الدلالة على امتناع وجود واجبين ووجوب استناد ما عدا الواجب إليه، ومن البين أن المخلوق لا يماثل الخالق فيقوم مقام الوالد له ثم قرر ذلك بقوله: سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ فإن الألوهية الحقيقية تتبع الوجوب المستلزم للوحدة الذاتية، وهي تنافي المماثلة فضلاً عن التوالد لأن كل واحد من المثلين مركب من الحقيقة المشتركة، والتعين المخصوص والقهارية المطلقة تنافي قبول الزوال المحوج إلى الولد، ثم استدل على ذلك بقوله:
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ يغشى كل واحد منهما الآخر كأنه يلفه عليه لف اللباس باللابس، أو يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفافة، أو يجعله كاراً عليه كروراً متتابعاً تتابع أكوار العمامة. وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى هو منتهى دوره أو منقطع حركته. أَلا هُوَ الْعَزِيزُ القادر على كل ممكن الغالب على كل شيء. الْغَفَّارُ حيث لم يعاجل بالعقوبة وسلب ما في هذه الصنائع من الرحمة وعموم المنفعة.
[[سورة الزمر (٣٩) : آية ٦]]
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها استدلال آخر بما أوجده في العالم السفلي مبدوءا به من خلق الإِنسان لأنه أقرب وأكثر دلالة وأعجب، وفيه على ما ذكره ثلاث دلالات: خلق آدم أولاً من غير أب وأم، ثم خلق حواء من قصيراه، ثم تشعيب الخلق الفائت للحصر منهما. وثُمَّ للعطف على محذوف هو صفة نَفْسٍ مثل خلقها أو على معنى واحدة أي من نفس وحدت ثم جعل منها زوجها فشفعها بها، أو على خَلَقَكُمْ لتفاوت ما بين الآيتين، فإن الأولى عادة مستمرة دون الثانية. وقيل أخرج من ظهره ذريته كالذر ثم خلق منها حواء. وَأَنْزَلَ لَكُمْ وقضى أو قسم لكم، فإن قضاياه وقسمه توصف بالنزول من السماء حيث كتبت في اللوح المحفوظ، أو أحدث لكم بأسباب نازلة كأشعة الكواكب والأمطار. مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ ذكرا وأنثى من الإِبل والبقر والضأن والمعز. يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ بيان لكيفية ما ذكر من الأناسي والأنعام إظهاراً لما فيها من عجائب القدرة، غير أنه غلب أولي العقل أو خصهم بالخطاب لأنهم المقصودون. خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ حيواناً سوياً من بعد عظام مكسوة لحماً من بعد عظام عارية من بعد مضغ من بعد علق من بعد نطف. فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ظلمة البطن والرحم والمشيمة، أو الصلب والرحم والبطن.
ذلِكُمُ الذي هذه أفعاله. اللَّهُ رَبُّكُمْ هو المستحق لعبادتكم والمالك. لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ لا يشاركه في الخلق غيره. فَأَنَّى تُصْرَفُونَ يعدل بكم عن عبادته إلى الإشراك.
[[سورة الزمر (٣٩) : آية ٧]]
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧)
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ عن إِيمانكم. وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ لاستضرارهم به رحمة عليهم.
وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ لأنه سبب فلا حكم، وقرأ ابن كثير ونافع في رواية وأبو عمرو والكسائي بإشباع ضمة الهاء لأنها صارت بحذف الألف موصولة بمتحرك، وعن أبي عمرو ويعقوب إسكانها وهو لغة فيها.
وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بالمحاسبة والمجازاة. إِنَّهُ عَلِيمٌ