أي قابلون لما تفتريه الأحبار، أو للعلة والمفعول محذوف أي: سماعون كلامك ليكذبوا عليك فيه.
سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ أي لجمع آخرين من اليهود لم يحضروا مجلسك وتجافوا عنك تكبراً وإفراطاً في البغضاء، والمعنى على الوجهين أي مصغون لهم قابلون كلامهم، أو سماعون منك لأجلهم والإِنهاء إليهم، ويجوز أن تتعلق اللام بالكذب لأن سماعون الثاني مكرر للتأكيد أي: سماعون ليكذبوا لقوم آخرين. يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها، إما لفظاً: بإهماله أو تغيير وضعه، وإما معنى: بحمله على غير المراد وإجرائه في غير مورده، والجملة صفة أخرى لقوم أو صفة لسماعون أو حال من الضمير فيه أو استئناف لا موضع له، أو في موضع الرفع خبراً لمحذوف أي هم يحرفون وكذلك يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ أي إن أوتيتم هذا المحرف فاقبلوه واعملوا به. وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ بل أفتاكم محمد بخلافه فَاحْذَرُوا أي احذروا قبول ما أفتاكم به.
روي (أن شريفاً من خيبر زنى بشريفة وكانا محصنين فكرهوا رجمهما، فأرسلوهما مع رهط منهم إلى بني قريظة ليسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنه وقالوا: إن أمركم بالجلد والتحميم فاقبلوا وإن أمركم بالرجم فلا، فأمرهم بالرجم فأبوا عنه، فجعل ابن صوريا حكماً بينه وبينهم، وقال له: أنشدك الله الذى لاَ إله إلا هو الذي فلق البحر لموسى، ورفع فوقكم الطور، وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي أنزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه هل تجدون فيه الرجم على من أحصن، قال: نعم. فوثبوا عليه فقال: خفت إن كذبته أن ينزل علينا العذاب، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالزانيين فرجما عند باب المسجد) .
وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ ضلالته أو فضيحته فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فلن تستطيع له من الله شيئا في دفعها. أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ من الكفر وهو كما ترى نص على فساد قول المعتزلة. لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ هو أن بالجزية والخوف من المؤمنين. وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ وهو الخلود في النار، والضمير للذين هادوا إن استأنفت بقوله ومن الذين وإلا فللفريقين.
[[سورة المائدة (٥) : آية ٤٢]]
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢)
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ كرره للتأكيد. أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ أي الحرام كالرشا من سحته إذا استأصله لأنه مسحوت البركة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب في المواضع الثلاثة بضمتين وهما لغتان كالعنق والعنق، وقرئ بفتح السين على لفظ المصدر. فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ تخيير لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا تحاكموا إليه بين الحكم والإِعراض ولهذا قيل: لو تحاكم كتابيان إلى القاضي لم يجب عليه الحكم، وهو قول للشافعي والأصح وجوبه إذا كان المترافعان أو أحدهما ذمياً لأنا التزمنا الذب عنهم ودفع الظلم منهم، والآية ليست في أهل الذمة، وعند أبي حنيفة يجب مطلقاً. وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً بأن يعادوك لإِعراضك عنهم فإن الله سبحانه وتعالى يعصمك من الناس. وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ أي بالعدل الذي أَمَرَ الله بِهِ. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ فيحفظهم ويعظم شأنهم.
[[سورة المائدة (٥) : آية ٤٣]]
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣)
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ تعجيب من تحكيمهم من لا يؤمنون به، والحال أن الحكم منصوص عليه في الكتاب الذي هو عندهم، وتنبيه على أنهم ما قصدوا بالتحكيم معرفة الحق وإقامة الشرع، وإنما طلبوا به ما يكون أهون عليهم وإن لم يكن حكم الله تعالى في زعمهم، وفِيها حُكْمُ اللَّهِ حال من التوراة إن رفعتها بالظرف، وإن جعلتها مبتدأ فمن ضميرها المستكن فيه وتأنيثها لكونها نظيرة المؤنث