قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ ولني أمرها والأرض أرض مصر. إِنِّي حَفِيظٌ لها ممن لا يستحقها. عَلِيمٌ بوجوه التصرف فيه، ولعله عليه السلام لما رأى أنه يستعمله في أمره لا محالة آثر ما تعم فوائده وتجل عوائده، وفيه دليل على جواز طلب التولية وإظهار أنه مستعد لها والتولي من يد الكافر إذا علم أنه لا سبيل إلى إقامة الحق وسياسة الخلق إلا بالاستظهار به. وعن مجاهد أن الملك أسلم على يده.
وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ في أرض مصر. يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ ينزل من بلادها حيث يهوى وقرأ ابن كثير «نشاء» بالنون. نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ في الدنيا والآخرة. وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ بل نوفي أَجورهم عاجلاً وآجلاً. وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ الشرك والفواحش لعظمه ودوامه.
[[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٨]]
وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨)
وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ
روي: أنه لما استوزره الملك أقام العدل واجتهد في تكثير الزراعات وضبط الغلات، حتى دخلت السنون المجدبة وعم القحط مصر والشأم ونواحيهما، وتوجه إليه الناس فباعها أولاً بالدراهم والدنانير حتى لم يبق معهم شيء منها، ثم بالحلي والجواهر ثم بالدواب ثم بالضياع والعقار، ثم برقابهم حتى استرقهم جميعاً ثم عرض الأمر على الملك فقال: الرأي رأيك فأعتقهم ورد عليهم أموالهم، وكان قد أصاب كنعان ما أصاب سائر البلاد فأرسل يعقوب بنيه- غير بنيامين- إليه للميرة.
فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ أي عرفهم يوسف ولم يعرفوه لطول العهد ومفارقتهم إياه في سن الحداثة ونسيانهم إياه، وتوهمهم أنه هلك وبعد حاله التي رأوه عليها من حاله حين فارقوه وقلة تأملهم في حلاه من التهيب والاستعظام.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٥٩ الى ٦١]
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١)
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ أصلحهم بعدتهم وأوقر ركائبهم بما جاءوا لأجله، والجهاز ما يعد من الأمتعة للنقلة كعدد السفر وما يحمل من بلدة إلى أخرى وما تزف به المرأة إلى زوجها وقرئ «بِجَهَازِهِمْ» بالكسر.
قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ
روي: أنهم لما دخلوا عليه قال: من أنتم وما أمركم لعلكم عيون؟ قالوا:
معاذ الله إنما نحن بنو أب واحد وهو شيخ كبير صديق نبي من الأنبياء اسمه يعقوب، قال كم أنتم؟ قالوا كنا اثني عشر فذهب أحدنا إلى البرية فهلك، قال: فكم أنتم ها هنا قالوا عشرة، قال: فأين الحادي عشر؟ قالوا:
عند أبينا يتسلى به عن الهالك، قال: فمن يشهد لكم. قالوا: لا يعرفنا أحد ها هنا فيشهد لنا قال: فدعوا بعضكم عندي رهينة وائتوني بأخيكم من أبيكم حتى أصدقكم، فاقترعوا فأصابت شمعون. وقيل كان يوسف يعطي لكل نفر حملاً فسألوه حملاً زائداً لأخ لهم من أبيهم فأعطاهم وشرط عليهم أن يأتوه به ليعلم صدقهم.
أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ أتمه. وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ للضيف والمضيفين لهم وكان أحسن إنزالهم وضيافتهم.
فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ أي ولا تقربوني ولا تدخلوا دياري، وهو إما نهي أو