السابع: أن المراد بالختم وَسْمُ قُلوبهم بسمة تعرفها الملائكة، فيبغضونهم وينفرون عنهم، وعلى هذا المنهاج كلامنا وكلامهم فيما يضاف إلى الله تعالى من طبع وإضلال ونحوهما.
وعَلى سَمْعِهِمْ معطوف على قلوبهم لقوله تعالى: وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وللوفاق على الوقف عليه، ولأنهما لما اشتركا في الإدراك من جميع الجوانب جعل ما يمنعهما من خاص فعلهما الختم الذي يمنع من جميع الجهات، وإدراك الأبصار لما اختص بجهة المقابلة جعل المانع لها عن فعلها الغشاوة المختصة بتلك الجهة، وكرر الجار ليكون أدل على شدة الختم في الموضعين واستقلال كل منهما بالحكم. ووحد السمع للأمن من اللبس واعتبار الأصل، فإنه مصدر في أصله والمصادر لا تجمع. أو على تقدير مضاف مثل وعلى حواس سمعهم.
والأبصار جمع بصر وهو: إدراك العين، وقد يطلق مجازاً على القوة الباصرة، وعلى العضو وكذا السمع، ولعل المراد بهما في الآية العضو لأنه أشد مناسبة للختم والتغطية، وبالقلب ما هو محل العلم وقد يطلق ويراد به العقل والمعرفة كما قال تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ. وإنما جاز إمالتها مع الصاد لأن الراء المكسورة تغلب المستعلية لما فيها من التكرير. وغشاوة رفع بالابتداء عند سيبويه، وبالجار والمجرور عند الأخفش، ويؤيده العطف على الجملة الفعلية. وقرئ بالنصب على تقدير، وجعل على أبصارهم غشاوة، أو على حذف الجار وإيصال الختم بنفسه إليه والمعنى: وختم على أبصارهم بغشاوة، وقرئ بالضم والرفع، وبالفتح والنصب وهما لغتان فيها. و «غشوة» بالكسر مرفوعة، وبالفتح مرفوعة ومنصوبة و «عشاوة» بالعين الغير المعجمة.
وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وعيد وبيان لما يستحقونه. والعذاب كالنكال بناءً، ومعنى تقول: عذب عن الشيء ونكل عنه إذا أمسك، ومنه الماء العذب لأنه يقمع العطش ويردعه ولذلك سمي نقاخاً وفراتاً، ثم اتسع فأطلق على كل ألم قادح وإن لم يكن نكالاً، أي: عقاباً يردع الجاني عن المعاودة فهو أعم منهما. وقيل اشتقاقه من التعذيب الذي هو إزالة العذب كالتقذية والتمريض. والعظيم نقيض الحقير، والكبير نقيض الصغير، فكما أن الحقير دون الصغير، فالعظيم فوق الكبير، ومعنى التوصيف به أنه إذا قيس بسائر ما يجانسه قصر عنه جميعه وحقر بالإضافة إليه ومعنى التنكير في الآية أن على أبصارهم نوع غشاوة ليس مما يتعارفه الناس، وهو التعامي عن الآيات، ولهم من الآلام العظام نوع عظيم لا يعلم كنهه إلا الله.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ لما افتتح سبحانه وتعالى بشرح حال الكتاب وساق لبيانه، ذكر المؤمنين الذين أخلصوا دينهم لله تعالى وواطأت فيه قلوبهم ألسنتهم، وثنى بأضدادهم الذين محضوا الكفر ظاهراً وباطناً ولم يلتفتوا لفتة رأساً، ثلث بالقسم الثالث المذبذب بين القسمين، وهم الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم تكميلاً للتقسيم، وهم أخبث الكفرة وأبغضهم إلى الله لأنهم موهوا الكفر وخلطوا به خداعاً واستهزاءً، ولذلك طول في بيان خبثهم وجهلهم واستهزأ بهم، وتهكم بأفعالهم وسجل على عمههم وطغيانهم، وضرب لهم الأمثال وأنزل فيهم إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وقصتهم عن آخرها معطوفة على قصة المُصِّرِّينَ.
والناس أصله أناس لقولهم: إنسان وأنس وأناسي فحذفت الهمزة حذفها في لوقة وعوض عنها حرف التعريف ولذلك لا يكاد يُجْمَع بينهما. وقوله: