للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ جرت عادته سبحانه وتعالى على أن يشفع وعده بوعيده، لترجى رحمته ويخشى عذابه، وعطف العمل على الإيمان يدل على خروجه عن مسماه.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٨٣]]

وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣)

وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ إخبار في معنى النهي كقوله تعالى: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ. وهو أبلغ من صريح النهي لما فيه من إيهام أن المنهي سارع إلى الانتهاء فهو يخبر عنه ويعضده قراءة: «لا تعبدوا» . وعطف قُولُوا عليه فيكون على إرادة القول. وقيل: تقديره أن لا يعبدوا فلما حذف أن رفع كقوله:

أَلا أَيّهذا الزَّاجِرِي أَحضُرَ الوَغَى ... وأَنْ أشَهدَ اللذاتِ هَلْ أنتَ مُخلِدي

ويدل عليه قراءة: «ألا تعبدوا» ، فيكون بدلاً عن الميثاق، أو معمولاً له بحذف الجار. وقيل إنه جواب قسم دل عليه المعنى كأنه قال: وحلفناهم لا يعبدون. وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم ويعقوب بالتاء حكاية لما خوطبوا به، والباقون بالياء لأنهم غيب وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً تعلق بمضمر تقديره: وتحسنون، أو أحسنوا وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ عطف على الوالدين. وَالْيَتامى جمع يتيم كنديم وندامى وهو قليل. ومسكين مفعيل من السكون، كأن الفقر أسكنه وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً أي قولاً حسناً، وسماه حُسْناً للمبالغة. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب حُسْناً بفتحتين. وقرئ «حَسَنًا» بضمتين وهو لغة أهل الحجاز، وحسنى على المصدر كبشرى والمراد به ما فيه تخلق وإرشاد وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ يريد بهما ما فرض عليهم في ملتهم ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ على طريقة الالتفات، ولعل الخطاب مع الموجودين منهم في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن قبلهم على التغليب، أي أعرضتم عن الميثاق ورفضتموه إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ يريد به من أقام اليهودية على وجهها قبل النسخ، ومن أسلم منهم وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ قوم عادتكم الإعراض عن الوفاء والطاعة. وأصل الإعراض الذهاب عن المواجهة إلى جهة العرض.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٨٤]]

وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤)

وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ على نحو ما سبق والمراد به أن لا يتعرض بعضهم بعضاً بالقتل والإجلاء عن الوطن. وإنما جعل قتل الرجل غيره قتل نفسه، لاتصاله به نسباً. أو ديناً، أو لأنه يوجبه قصاصاً. وقيل معناه لا ترتكبوا ما يبيح سفك دمائكم وإخراجكم من دياركم، أو لا تفعلوا ما يرديكم ويصرفكم عن الحياة الأبدية فإنه القتل في الحقيقة، ولا تقترفوا ما تمنعون به عن الجنة التي هي داركم، فإنه الجلاء الحقيقي ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ بالميثاق واعترفتم بلزومه وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ توكيد كقولك.

أقر فلان شاهداً على نفسه. وقيل وأنتم أيها الموجودون تشهدون على إقرار أسلافكم، فيكون إسناد الإقرار إليهم مجازا.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٨٥]]

ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>