للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ أي إني عبد مربوب مثلكم فاعبدوا خالقي وخالقكم. إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ أي في عبادته أو فيما يختص به من الصفات والأفعال. فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ يمنع من دخولها كما يمنع المحرم عليه من المحرم فإنها دار الموحدين. وَمَأْواهُ النَّارُ فإنها المعدة للمشركين. وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ أي وما لهم أحد ينصرهم من النار، فوضع الظاهر موضع المضمر تسجيلاً على أنهم ظلموا بالاشراك وعدلوا عن طريق الحق، وهو يحتمل أن يكون من تمام كلام عيسى عليه الصلاة والسلام وأن يكون من كلام الله تعالى نبه به على أنهم قالوا ذلك تعظيما لعيسى صلّى الله عليه وسلّم، وتقرباً إليه وهو معاديهم بذلك ومخاصمهم فيه فما ظنك بغيره.

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٧٣ الى ٧٤]

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤)

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ أي أحد ثلاثة، وهو حكاية عما قاله النسطورية والملكانية منهم القائلون بالأقانيم الثلاثة وما سبق قول اليعقوبية القائلين بالاتحاد. وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وما في الوجود ذات واجب مستحق للعبادة من حيث إنه مبدئ جميع الموجودات إلا إله واحد، موصوف بالوحدانية متعال عن قبول الشركة ومن مزيدة للاستغراق. وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ ولم يوحدوا. لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي ليمسن الذين بقوا منهم على الكفر، أو ليمسن الذين كفروا من النصارى، وضعه موضع ليمسنهم تكريراً للشهادة على كفرهم وتنبيهاً على أَنَّ العذاب على مَن دام على الكفر ولم ينقلع عنه فلذلك عقبه بقوله:

أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ أي أفلا يتوبون بالانتهاء عن تلك العقائد والأقوال الزائغة ويستغفرونه بالتوحيد والتنزيه عن الاتحاد والحلول بعد هذا التقرير والتهديد. وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يغفر لهم ويمنحهم من فضله إن تابوا. وفي هذا الاستفهام تعجيب من إصرارهم.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٧٥]]

مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥)

مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أي ما هو إلا رسول كالرسل قبله خصه الله سبحانه وتعالى بالآيات كما خصهم بها، فإن إحياء الموتى على يده فقد أحيا العصا وجعلها حية تسعى على يد موسى عليه السلام وهو أعجب، وإن خلقه من غير أب فقد خلق آدم من غير أب وأم وهو أغرب. وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كسائر النساء اللاتي يلازمن الصدق، أو يصدقن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعامَ ويفتقران إليه افتقار الحيوانات، بين أولاً أقصى ما لهما من الكمال ودل على أنه لا يوجب لهما ألوهية لأن كثيراً من الناس يشاركهما في مثله، ثم نبه على نقصهما وذكر ما ينافي الربوبية ويقتضي أن يكونا من عداد المركبات الكائنة الفاسدة، ثم عجب لمن يدعي الربوبية لهما مع أمثال هذه الأدلة الظاهرة فقال:

انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ كيف يصرفون عن استماع الحق وتأمله وثم لتفاوت ما بين العجبين أي إن بياننا للآيات عجب وإعراضهم عنها أعجب.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٧٦]]

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦)

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً يعني عيسى عليه الصلاة والسلام، وهو وإن

<<  <  ج: ص:  >  >>