للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سافرتم وذهبتم للغزو. فَتَبَيَّنُوا فاطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تعجلوا فيه. وقرأ حمزة والكسائي فتثبتوا في الموضعين هنا، وفي «الحجرات» من التثبت. وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لمن حياكم بتحية الإسلام. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة السلم بغير الألف أي الاستسلام والانقياد وفسر به السلام أيضاً. لَسْتَ مُؤْمِناً وإنما فعلت ذلك متعوذا. وقرئ «مُؤْمِناً» بالفتح أي مبذولاً له الأمان. تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا تطلبون ماله الذي هو حطام سريع النفاذ، وهو حال من الضمير في تقولوا مشعر بما هو الحامل لهم على العجلة وترك التثبت. فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ لكم كَثِيرَةٌ تغنيكم عن قتل أمثاله لماله. كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ أي أول ما دخلتم في الإِسلام تفوهتم بكلمتي الشهادة فحصنت بها دماؤكم وأموالكم من غير أن يعلم مواطأة قلوبكم ألسنتكم. فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بالاشتهار بالإِيمان والاستقامة في الدين. فَتَبَيَّنُوا وافعلوا بالداخلين في الإِسلام كما فعل الله بكم، ولا تبادروا إلى قتلهم ظناً بأنهم دخلوا فيه اتقاء وخوفاً، فإن إبقاء ألف كافر أهون عند الله من قتل امرئ مسلم. وتكريره تأكيد لتعظيم الأمر وترتيب الحكم على ما ذكر من حالهم. إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً عالماً به وبالغرض منه فلا تتهافتوا في القتل واحتاطوا فيه.

روي (أن سرية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزت أهل فدك فهربوا وبقي مرداس ثقة بإسلامه، فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد، فلما تلاحقوا به وكبروا كبر ونزل وقال:

لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة واستاق غنمه)

وقيل نزلت في المقداد مر برجل في غنيمة فأراد قتله فقال: لا إله إلا الله. فقتله وقال: ود لو فر بأهله وماله. وفيه دليل على صحة إيمان المكره وأن المجتهد قد يخطئ وأن خطأه مغتفر.

[[سورة النساء (٤) : آية ٩٥]]

لاَّ يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥)

لاَّ يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ عن الحرب. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ في موضع الحال من القاعدين أو من الضمير الذي فيه. غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ بالرفع صفة للقاعدون لأنه لم يقصد به قوم بأعيانهم أو بدل منه. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالنصب على الحال أَوِ الاستثناء. وقرئ بالجر على أنه صفة للمؤمنين أو بدل منه.

وعن زيد بن ثابت أنها نزلت ولم يكن فيها غير أولي الضرر فقال ابن أم مكتوم: وكيف وأنا أعمى فغشي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مجلسه الوحي، فوقعت فخذه على فخذي حتى خشيت أن ترضها ثم سري عنه فقال اكتب

لاَّ يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أي لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد من غير علة. وفائدته تذكير ما بينهما من التفاوت ليرغب القاعد في الجهاد رفعاً لرتبته وأنفة عن انحطاط منزلته. فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً جملة موضحة لما نفي الاستواء فيه والقاعدون على التقييد السابق، ودرجة نصب بنزع الخافض أي بدرجة أو على المصدر لأنه تضمن معنى التفضيل ووقع موقع المرة منه، أو الحال بمعنى ذوي درجة. وَكُلًّا من القاعدين والمجاهدين. وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى المثوبة الحسنى وهي الجنة لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم، وإنما التفاوت في زيادة العمل المقتضي لمزيد الثواب. وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً نصب على المصدر لأن فضل بمعنى أجر، أو المفعول الثاني له لتضمنه معنى الإِعطاء كأنه قيل: وأعطاهم زيادة على

<<  <  ج: ص:  >  >>