بقي ذلك وبه قال الأطباء ولعل تخصيص أقل الحمل وأكثر الرضاع لانضباطهما وتحقق ارتباط حكم النسب والرضاع بهما. حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ إذا اكتهل واستحكم قوته وعقله. وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قيل لم يبعث نبي إلا بعد الأربعين. قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي ألهمني وأصله أولعني من أوزعته بكذا. أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ يعني نعمة الدين أو ما يعمها وغيرها، وذلك يؤيد ما روي أنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه لأنه لم يكن أحد أسلم هو وأبواه من المهاجرين والأنصار سواه. وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ نكرة للتعظيم أو لأنه أراد نوعاً من الجنس يستجلب رضا الله عز وجل. وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي واجعل لي الصلاح سارياً في ذريتي راسخاً فيهم ونحوه قوله:
وَإِنْ تَعْتَذِرْ بالمَحل عَنْ ذِي ضُرُوعِهَا ... إِلَى الضَيْفِ يَجْرَحُ فِي عَرَاقِيبهَا نَصْلي
إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ عما لا ترضاه أو يشغل عنك. وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ المخلصين لك.
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ١٦ الى ١٧]
أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦) وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧)
أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا يعني طاعاتهم فإن المباح حسن ولا يثاب عليه. وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ لتوبتهم، وقرأ حمزة الكسائي وحفص بالنون فيهما. فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ كائنين في عدادهم أو مثابين أو معدودين فيهم. وَعْدَ الصِّدْقِ مصدر مؤكد لنفسه فإن يتقبل ويتجاوز وعد. الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ أي في الدنيا.
وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما مبتدأ خبره أُولئِكَ، والمراد به الجنس وإن صح نزولها في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه، فإن خصوص السبب لا يوجب التخصيص. وفي أُفٍّ قراءات ذكرت في سورة «بني إسرائيل» . أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ أبعث، وقرأ هشام «أتعداني» بنون واحدة مشددة. وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي فلم يرجع أحد منهم. وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ يقولان الغياث بالله منك، أو يسألانه أن يغيثه بالتوفيق للإيمان. وَيْلَكَ آمِنْ أي يقولان له وَيْلَكَ، وهو الدعاء بالثبور بالحث على ما يخاف على تركه. إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أباطيلهم التي كتبوها.
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ١٨ الى ١٩]
أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩)
أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ بأنهم أهل النار وهو يرد النزول في عبد الرحمن لأنه يدل على أنه من أهلها لذلك وقد جب عنه إن كان لإسلامه. فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ كقوله في أصحاب الجنة. مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ بيان للأمم. إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ تعليل للحكم على الاستئناف.
وَلِكُلٍّ من الفريقين. دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا مراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر، أو من أجل ما عملوا وال دَرَجاتٌ غالبة في المثوبة وها هنا جاءت على التغليب. وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ جزاءها، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وابن ذكوان بالنون. وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ بنقص ثواب وزيادة عقاب.
[[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٢٠]]
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠)