[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠٨ الى ١٠٩]
وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩)
وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا عن خلف الموعد. إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا إنه كان وعده كائناً لا محالة.
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ كرره لاختلاف الحال والسبب فإن الأول للشكر عند إنجاز الوعد والثاني لما أثر فيهم من مواعظ القرآن حال كونهم باكين من خشية الله، وذكر الذقن لأنه أول ما يلقى الأرض من وجه الساجد، واللام فيه لاختصاص الخرور به. وَيَزِيدُهُمْ سماع القرآن خُشُوعاً كما يزيدهم علما ويقينا بالله.
[[سورة الإسراء (١٧) : آية ١١٠]]
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ
نزلت حين سمع المشركون رسول الله يقول: يا الله يا رحمن فقالوا إنه ينهانا أن نعبد إليهن وهو يدعو إلهاً آخر.
أو قالت اليهود: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثره الله في التوراة، والمراد على الأول هو التسوية بين اللفظين بأنهما يطلقان على ذات واحدة وإن اختلف اعتبار إطلاقهما، والتوحيد إنما هو للذات الذي هو المعبود المطلق وعلى الثاني أنهما سيان في حسن الإطلاق والإفضاء إلى المقصود وهو أجود لقوله: أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى والدعاء في الآية بمعنى التسمية وهو يتعدى إلى مفعولين حذف أولهما استغناء عنه وأو للتخيير والتنوين في أَيًّا عوض عن المضاف إليه، وما صلة لتأكيد ما في أَيًّا من الإِبهام، والضمير في فَلَهُ للمسمى لأن التسمية له لا للاسم، وكان أصل الكلام أَيًّا مَّا تَدْعُوا فهو حسن، فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه وكونها حسنى لدلالتها على صفات الجلال والإكرام. وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ بقراءة صلاتك حتى تسمع المشركين، فإن ذلك يحملهم على السب واللغو فيها. وَلا تُخافِتْ بِها حتى لا تسمع من خلفك من المؤمنين. وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ بين الجهر والمخافتة. سَبِيلًا وسطاً فإن الاقتصاد في جميع الأمور محبوب.
روي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفت ويقول: أناجي ربي وقد علم حاجتي، وعمر رضي الله عنه كان يجهر ويقول أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان، فلما نزلت أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر أن يرفع قليلاً وعمر أن يخفض قليلاً.
وقيل معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها بأسرها وابتغ بين ذلك سبيلاً بالإِخفات نهارا والجهر ليلا.
[[سورة الإسراء (١٧) : آية ١١١]]
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ في الألوهية. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ولي يواليه من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته نفي عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختياراً واضطراراً، وما يعاونه ويقويه، ورتب الحمد عليه للدلالة على أنه الذي يستحق جنس الحمد لأنه الكامل الذات المنفرد بالإِيجاد، المنعم على الإطلاق وما عداه ناقص مملوك نعمة، أو منعم عليه ولذلك عطف عليه قوله: وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً وفيه تنبيه على أن العبد وإن بالغ في التنزيه والتمجيد واجتهد في العبادة والتحميد ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه في ذلك.