يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ توسعوا فيه وليفسح بعضكم عن بعض من قولهم: افسح عني أي تنح، وقرئ «تفاسحوا» والمراد بالمجلس الجنس ويدل عليه قراءة عاصم بالجمع، أو مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يتضامون به تنافساً على القرب منه وحرصاً على استماع كلامه. فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ فيما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق والصدر وغيرها. وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا انهضوا للتوسعة أو لما أمرتم به كصلاة أو جهاد، أو ارتفعوا عن المجلس. فَانْشُزُوا وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بضم الشين فيهما. يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ بالنصر وحسن الذكر في الدنيا، وإيوائهم غرف الجنان في الآخرة. وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ويرفع العلماء منهم خاصة درجات بما جمعوا من العلم والعمل، فإن العلم مع علو درجته يقتضي العمل المقرون به مزيد رفعة، ولذلك يقتدى بالعالم في أفعاله ولا يقتدى بغيره.
وفي الحديث «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب» .
وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ تهديد لمن لم يتمثل الأمر أو استكرهه.
[سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ١٢ الى ١٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً فتصدقوا قدامها مستعار ممن له يدان، وفي هذا الأمر تعظيم الرسول وإنفاع الفقراء والنهي عن الإِفراط في السؤال، والميز بين المخلص والمنافق ومحب الآخرة ومحب الدنيا، واختلف في أنه للندب أو للوجوب لكنه منسوخ بقوله: أَأَشْفَقْتُمْ وهو وإن اتصل به تلاوة لم يتصل به نزولاً.
وعن على كرم الله وجهه إن في كتاب الله آية ما عمل بها أحد غيري، كان لي دينار فصرفته فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم.
وهو على القول بالوجوب لا يقدح في غيره فلعله لم يتفق للأغنياء مناجاة في مدة بقائه، إذ
روي أنه لم يبق إلا عشراً
وقيل إلا ساعة. ذلِكَ أي ذلك التصدق. خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ أي لانْفُسِكُم من الريبة وحب المال وهو يشعر بالندبية لكن قوله: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي لمن لم يجده حيث رخص له في المناجاة بلا تصدق أدل على الوجوب.
أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ أخفتم الفقر من تقديم الصدقة أو أخفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر وجمع صَدَقاتٍ لجمع المخاطبين، أو لكثرة التناجي. فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بأن رخص لكم أن لا تفعلوه، وفيه إشعار بأن إشفاقهم ذنب تجاوز الله عنه لما رأى منهم مما قام مقام توبتهم وإذ على بابُّها وقيل بمعنى إذا أو إن. فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ. فلا تفرطوا في أدائهما.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ في سائر الأوامر، فإن القيام بها كالجابر للتفريط في ذلك. وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ظاهرا وباطنا.
[سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ١٤ الى ١٥]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَّا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا والوا. قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يعني اليهود: مَّا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ لأنهم منافقون مذبذبون بين ذلك. وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وهو ادعاء الإسلام. وَهُمْ يَعْلَمُونَ أن المحلوف عليه كذب كمن يحلف بالغموس، وفي هذا التقييد دليل على أن الكذب يعم ما يعلم المخبر عدم مطابقته وما لا