نعدهم إدخالهم وحقاً على أنه حال من المصدر. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا جملة مؤكدة بليغة، والمقصود من الآية معارضة المواعيد الشيطانية الكاذبة لقرنائه بوعد الله الصادق لأوليائه، والمبالغة في توكيده ترغيباً للعباد في تحصيله.
[[سورة النساء (٤) : آية ١٢٣]]
لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣)
لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ أي ليس ما وعد الله من الثواب ينال بأمانيكم أيها المسلمون، ولا بأماني أهل الكتاب، وإنما ينال بالإِيمان والعمل الصالح. وقيل: ليس الإِيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
روي (أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا. فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أولي بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أولى منكم نبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب المتقدمة) فنزلت.
وقيل: الخطاب مع المشركين ويدل عليه تقدم ذكرهم أي: ليس الأمر بأماني المشركين، وهو قولهم لا جنة ولا نار، وقولهم إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء لنكونن خيراً منهم وأحسن حالاً، ولا أماني أهل الكتاب وهو قولهم: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى وقولهم: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ثم قرر ذلك وقال: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ عاجلاً أو آجلاً لما
روي (أنها لما نزلت قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: فمن ينجو مع هذا يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أما تحزن؟ أما تمرض؟ أما يصيبك اللأواء؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: هو ذاك) .
وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ولا يجد لنفسه إذا جاوز موالاة الله ونصرته من يواليه وينصره في دفع العذاب عنه.
[[سورة النساء (٤) : آية ١٢٤]]
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ بعضها أو شيئاً منها فإن كل أحد لا يتمكن من كلها وليس مكلفاً بها.
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى في موضع الحال من المستكن في يعمل، ومَنْ للبيان أو من الصالحات أي كائنة مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى ومن للابتداء. وَهُوَ مُؤْمِنٌ حال شرط اقتران العمل بها في استدعاء الثواب المذكور وتنبيهاً على أنه لا اعتداد به دونه فيه. فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً بنقص شيء من الثواب وإذا لم ينقص ثواب المطيع فبالحري أن لا يزاد عقاب العاصي، لأن المجازي أرحم الراحمين، ولذلك اقتصر على ذكره عقيب الثواب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ هنا وفي «غافر» و «مريم» بضم الياء وفتح الخاء، والباقون بفتح الياء وضم الخاء.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٢٥ الى ١٢٦]
وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (١٢٥) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (١٢٦)
وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ أخلص نفسه لله لا يعرف لها رباً سواه. وقيل بذل وجهه له في السجود وفي هذا الاستفهام تنبيه على أن ذلك منتهى ما تبلغه القوة البشرية. وَهُوَ مُحْسِنٌ آت بالحسنات تارك للسيئات. وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ الموافقة لدين الإِسلام المتفق على صحتها حَنِيفاً مائلاً عن سائر الأديان، وهو حال من المتبع أو من الملة أو إبراهيم. وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا اصطفاه وخصصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله، وإنما أعاد ذكره ولم يضمر تفخيماً لشأنه وتنصيصاً على أنه الممدوح. والخلة من الخلال فإنه ود تخلل النفس وخالطها. وقيل من الخلل فإن كل واحد من الخليلين يسد خلل الآخر، أو