لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ
أيها المشركون لإِخلالكم بالنظر الصحيح الذي به يفهم تسبيحهم، ويجوز أن يحمل التسبيح على المشترك بين اللفظ والدلالة لإسناده إلى ما يتصور منه اللفظ وإلى ما لا يتصور منه وعليهما عند من جوز إطلاق اللفظ على معنييه. وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع وأبو بكر «يسبح» بالياء. إِنَّهُ كانَ حَلِيماً حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم. غَفُوراً لمن تاب منكم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦)
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً يحجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم.
مَسْتُوراً ذا ستر كقوله تعالى: وَعْدُهُ مَأْتِيًّا وقولهم سيل مفعم، أو مستوراً عن الحس، أو بحجاب آخر لا يفهمون ولا يفهمون أنهم لا يفهمون نفى عنهم أن يفهموا ما أنزل عليهم من الآيات بعد ما نفي عنهم التفقه للدلالات المنصوبة في الأنفس والآفاق تقريراً له وبياناً لكونهم مطبوعين على الضلالة كما صرح به بقوله:
وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً تكنها وتحول دونها عن إدراك الحق وقبوله. أَنْ يَفْقَهُوهُ كراهة أن يفقهوه، ويجوز أن يكون مفعولاً لما دل عليه قوله: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي منعناهم أن يفقهوه.
وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً يمنعهم عن استماعه. ولما كان القرآن معجزاً من حيث اللفظ والمعنى أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى وإدراك اللفظ. وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ واحداً غير مشفوع به آلهتهم، مصدر وقع موقع الحال وأصله يحد وحده بمعنى واحداً وحده. وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً هرباً من استماع التوحيد ونفرة أو تولية، ويجوز أن يكون جمع نافر كقاعد وقعود.
[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٤٧]]
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ بسببه ولأجله من الهزء بك وبالقرآن. إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ظرف ل أَعْلَمُ وكذا. وَإِذْ هُمْ نَجْوى أي نحن أعلم بغرضهم من الاستماع حين هم مستمعون إليك مضمرون له وحين هم ذوو نجوى يتناجون به، ونَجْوى مصدر ويحتمل أن يكون جمع نجى. إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً مقدر باذكر، أو بدل من إِذْ هُمْ نَجْوى على وضع الظَّالِمُونَ موضع الضمير للدلالة على أن تناجيهم بقولهم هذا من باب الظلم، والمسحور هو الذي سُحِرَ فزال عقله. وقيل الذي له سحر وهو الرئة أي إلا رجلاً يتنفس ويأكل ويشرب مثلكم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٨ الى ٤٩]
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩)
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ مثلوك بالشاعر والساحر والكاهن والمجنون. فَضَلُّوا عن الحق في جميع ذلك. فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا إلى طعن موجه فيتهافتون ويخبطون كالمتحير في أمره لا يدري ما يصنع أو إلى الرشاد. وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً حطاماً. أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً على الإِنكار والاستبعاد لما بين غضاضة الحي ويبوسة الرميم، من المباعدة والمنافاة، والعامل في إذا ما دل عليه مبعوثون لا نفسه لأن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها وخَلْقاً مصدر أو حال.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٠ الى ٥١]
قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١)