[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٦]
وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦)
وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا بالعزم والإِتيان بالمقدمات.
وقد روي أنه أمر السكين بقوته على حلقه مراراً فلم تقطع
، وجواب «لما» محذوف تقديره كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به المقال، من استبشارهما وشكرهما لله تعالى على ما أنعم عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق بما لم يوفق غيرهما لمثله، وإظهار فضلهما به على العالمين مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك. إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ تعليل لإِفراج تلك الشدة عنهما بإحسانهما، واحتج به من جوز النسخ قبل وقوعه فإنه عليه الصلاة والسلام كان مأموراً بالذبح لقوله يا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ولم يحصل.
إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ الابتلاء البين الذي يتميز فيه المخلص من غيره، أو المحنة البينة الصعوبة فإنه لا أصعب منها.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٠٧ الى ١١٠]
وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠)
وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ بما يذبح بدله فيتم به الفعل. عَظِيمٍ عظيم الجثة سمين، أو عظيم القدر لأنه يفدي به الله نبياً ابن نبي وأي نبي من نسله سيد المرسلين. قيل كان كبشاً من الجنة. وقيل وعلاً أهبط عليه من ثبير.
وروي أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فصارت سنة
، والفادي على الحقيقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وإنما قال وفديناه لأن الله المعطي له والآمر به على التجوز في الفداء أو الإِسناد، واستدل به الحنفية على أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة وليس فيه ما يدل عليه.
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ سبق بيانه في قصة نوح عليه السلام. كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ لعله طرح عنه أنا اكتفاء بذكره مرة في هذه القصة.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١١١ الى ١١٣]
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ مقضياً نبوته مقدراً كونه من الصالحين وبهذا الاعتبار وقعا حالين ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة، فإن وجود ذي الحال غير شرط بل الشرط مقارنة تعلق الفعل به لاعتبار المعنى بالحال، فلا حاجة إلى تقدير مضاف يجعل عاملا فيهما مثلا وبَشَّرْناهُ بوجود إسحاق أي بأن يوجد إسحاق نبياً من الصالحين، ومع ذلك لا يصير نظير قوله: فَادْخُلُوها خالِدِينَ فإن الداخلين مقدرون خلودهم وقت الدخول وإسحاق لم يكن مقدراً نبوة نفسه وصلاحها حينما يوجد، ومن فسر الذبيح بإسحاق جعل المقصود من البشارة نبوته، وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه وإيماء بأنه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الإِطلاق.
وَبارَكْنا عَلَيْهِ على إبراهيم في أولاده. وَعَلى إِسْحاقَ بأن أخرجنا من صلبه أنبياء بني إسرائيل وغيرهم كأيوب وشعيب، أو أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا، وقرئ «وبركنا» . وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ في عمله أو إلى نفسه بالإِيمان والطاعة. وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ بالكفر والمعاصي. مُبِينٌ ظاهر ظلمه، وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال وأن الظلم في أعقابهما لا يعود عليهما بنقيصه وعيب.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١١٤ الى ١١٨]
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨)