للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ حمزة ويعقوب وأبو بكر عن عاصم الْأَوَّلِينَ على أنه صفة للذين، أو بدل منه أي من الأولين الذين استحق عليهم. وقرئ «الأولين» على التثنية وانتصابه على المدح والأولان وإعرابه إعراب الأوليان.

فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما أصدق منها وأولى بأن تقبل. وَمَا اعْتَدَيْنا وما تجاوزنا فيها الحق. إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ الواضعين الباطل موضع الحق، أو الظالمين أنفسهم إن اعتدينا. ومعنى الآيتين أن المحتضر إذا أراد الوصية ينبغي أن يشهد عدلين من ذوي نسبه أو دينه على وصيته، أو يوصي إليهما احتياطاً فإن لم يجدهما بأن كان في سفر فآخرين من غيرهم، ثم إن وقع نزاع وارتياب أقسما على صدق ما يقولان بالتغليظ في الوقت، فإن اطلع على أنهما كذبا بأمارة أو مظنة حلف آخران من أولياء الميت، والحكم منسوخ إن كان الاثنان شاهدين فإنه لا يخلف الشاهد ولا يعارض يمينه بيمين الوارث وثابت إن كانا وصيين ورد اليمين إلى الورثة إما لظهور خيانة الوصيين فإن تصديق الوصي باليمين لأمانته أو لتغيير الدعوى. إذ

روي أن تميماً الداري وعدي بن يزيد خرجا إلى الشام للتجارة وكانا حينئذ نصرانيين ومعهما بديل مولى عمرو بن العاص وكان مسلماً، فلما قدموا الشام مرض بديل فدون ما معه في صحيفة وطرحها في متاعه ولم يخبرهما به، وأوصى إليهما بأن يدفعا متاعه إلى أهله ومات، ففتشاه وأخذا منه إناء من فضة فيه ثلاثمائة مثقال منقوشاً بالذهب فغيباه، فأصاب أهله الصحيفة فطالبوهما بالإِناء فجحدا فترافعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلت

: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الآية، فحلفهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد صلاة العصر عند المنبر وخلى سبيلهما، ثم وجد الإِناء في أيديهما فأتاهما بنو سهم في ذلك فقالا: قد اشتريناه منه ولكن لم يكن لنا عليه بينة فكرهنا أن نقربه فرفعوهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلت فَإِنْ عُثِرَ فقام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان فحلفا واستحقاه. ولعل تخصيص العدد فيهما لخصوص الواقعة.

[[سورة المائدة (٥) : آية ١٠٨]]

ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (١٠٨)

ذلِكَ أي الحكم الذي تقدم أو تحليف الشاهد. أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها على نحو ما حملوها من غير تحريف وخيانة فيها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ أن ترد اليمين على المدعين. بعد أيمانهم فيفتضحوا بظهور الخيانة واليمين الكاذبة وإنما جمع الضمير لأنه حكم يعم الشهود كلهم. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا ما توصون به سمع إجابة. وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ أي فإن لم تتقوا ولم تسمعوا كنتم قوماً فاسقين وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ أي لا يهديهم إلى حجة أو إلى طريق الجنة. فقوله تعالى:

[[سورة المائدة (٥) : آية ١٠٩]]

يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لاَ عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩)

يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ ظرف له. وقيل بدل من مفعول واتقوا بدل الاشتمال، أو مفعول واسمعوا على حذف المضاف أي واسمعوا خبر يوم جمعهم، أو منصوب باضمار اذكر. فَيَقُولُ أي للرسل. مَاذَا أُجِبْتُمْ أي إجابة أجبتم، على أن ماذا في موضع المصدر، أو بأي شيء أجبتم فحذف الجار، وهذا السؤال لتوبيخ قومهم كما أن سؤال الموؤدة لتوبيخ الوائد ولذلك قالُوا لاَ عِلْمَ لَنا أي لا علم لنا بما لست تعلمه.

إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ فتعلم ما نعلمه مما أجابونا وأظهروا لنا وما لا نعلم مما أضمروا في قلوبهم، وفيه التشكي منهم ورد الأمر إلى علمه بما كابدوا منهم. وقيل المعنى لا علم لنا إلى جنب علمك، أو لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا وإنما الحكم للخاتمة. وقرئ «علام» بالنصب على أن الكلام قد تم بقوله إِنَّكَ أَنْتَ، أي إنك أنت الموصوف بصفاتك المعروفة وعلام منصوب على الاختصاص أو النداء. وقرأ أبو بكر وحمزة الغيوب بكسر الغين حيث وقع.

<<  <  ج: ص:  >  >>