للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنكاره، أو ائتنا بعذاب أليم سواه، والمراد منه التهكم وإظهار اليقين والجزم التام على كونه باطلاً. وقرئ «الحق» بالرفع على أن هُوَ مبتدأ غير فصل، وفائدة التعريف فيه الدلالة على أن المعلق به كونه حقاً بالوجه الذي يدعيه النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو تنزيله لا الحق مطلقاً لتجويزهم أن يكون مطابقاً للواقع غير منزل كأساطير الأولين.

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]

وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (٣٤)

وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ بيان لما كان الموجب لإِمهالهم والتوقف في إجابة دعائهم، واللام لتأكيد النفي والدلالة على أن تعذيبهم عذاب استئصال والنبي صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في قضائه، والمراد باستغفارهم إما استغفار من بقي فيهم من المؤمنين، أو قولهم اللهم غفرانك، أو فرضه على معنى لو استغفروا لم يعذبوا كقوله: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ.

وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وما لهم مما يمنع تعذيبهم متى زال ذلك وكيف لا يعذبون. وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وحالهم ذلك ومن صدهم عنه إلجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين إلى الهجرة وإحصارهم عام الحديبية. وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ مستحقين ولاية أمره مع شركهم، وهو رد لما كانوا يقولون نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء. إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ من الشرك الذين لا يعبدون فيه غيره، وقيل الضميران لِلَّهِ. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ أن لا ولاية لهم عليه كأنه نبه بالأكثر أن منهم من يعلم ويعاند، أو أراد به الكل كما يراد بالقلة العدم.

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٥]]

وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥)

وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ أي دعاؤهم أو ما يسمونه صلاة، أو ما يضعون موضعها. إِلَّا مُكاءً صفيراً فعال من مكا يمكو إذا صفر. وقرئ بالقصر كالبكا. وَتَصْدِيَةً تصفيقاً تفعله من الصدا، أو من الصد على إبدال أحد حرفي التضعيف بالياء. وقرئ «صَلاَتِهِمْ» بالنصب على أنه الخبر المقدم، ومساق الكلام لتقرير استحقاقهم العذاب أو عدم ولايتهم للمسجد فإنها لا تليق بمن هذه صلاته.

روي: أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء مشبكين بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون.

وقيل: كانوا يفعلون ذلك إذا أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصلي يخلطون عليه ويرون أنهم يصلون أيضاً. فَذُوقُوا الْعَذابَ يعني القتل والأسر يوم بدر، وقيل عذاب الآخرة واللام يحتمل أن تكون للعهد والمعهود: ائْتِنا بِعَذابٍ. بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ اعتقادا وعملا.

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٦]]

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلاً من قريش يطعم كل واحد منهم كل يوم عشر جزر، أو في أبي سفيان استأجر ليوم أحد ألفين من العرب سوى من استجاش من العرب، وأنفق عليهم أربعين أوقية. أو في أصحاب العير فإنه لما أصيب قريش

<<  <  ج: ص:  >  >>