أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ أي عن القتال. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ واشتغلوا بما أمرتم به. فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ يخشون الكفار أن يقتلوهم كما يخشون الله أن ينزل عليهم بأسه، وإذا للمفاجأة جواب لما وفريق مبتدأ منهم صفته ويخشون خبره وكخشية الله من إضافة المصدر إلى المفعول، وقع موقع المصدر أو الحال من فاعل يخشون على معنى، يخشون الناس مثل أهل خشية الله منه. أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً عطف عليه إن جعلته حالاً وإن جعلته مصدراً فلا، لأن أفعل التفضيل إذا نصب ما بعده لم يكن من جنسه بل هو معطوف على اسم الله تعالى أي: وكخشية الله تعالى أو كخشية أشد خشية منه، على الفرض اللهم إلا أن تجعل الخشية ذات خشية كقولهم: جد جده على معنى يخشون الناس خشية مثل خشية الله تعالى، أو خشية أشد خشية من خشية الله. وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ استزادة في مدة الكف عن القتال حذراً عن الموت، ويحتمل أنهم ما تفوهوا به ولكن قالوا في أنفسهم فحكى الله تعالى عنهم. قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ سريع التقضي وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا أي ولا تنقصون أدنى شيء من ثوابكم فلا ترغبوا عنه، أو من آجالكم المقدرة.
وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وَلاَ يُظْلَمُونَ لتقدم الغيبة.
أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ قرئ بالرفع على حذف الفاء كما في قوله:
مَنْ يفعل الحسنات الله يشكرها أو على أنه كلام مبتدأ، وأينما متصل ب لاَ تُظْلَمُونَ. وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ في قصور أو حصون مرتفعة، والبروج في الأصل بيوت على أطراف القصور، من تبرجت المرأة إذا ظهرت. وقرئ مشيدة بكسر الياء وصفاً لها بوصف فاعلها كقولهم: قصيدة شاعرة، ومشيدة من شاد القصر إذا رفعه. وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ كما تقع الحسنة والسيئة على الطاعة والمعصية يقعان على النعمة والبلية، وهما المراد في الآية أي: وإن تصبهم نعمة كخصب نسبوها إلى الله سبحانه وتعالى، وإن تصبهم بلية كقحط أضافوها إِليك وقالوا إن هي إلا بشؤمك كما قالت اليهود: منذ دخل محمد المدينة نقصت ثمارها وغلت أسعارها. قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي يبسط ويقبض حسب إرادته. فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لاَ يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً يوعظون به، وهو القرآن فإنهم لو فهموه وتدبروا معانيه لعلموا أن الكل من عند الله سبحانه وتعالى، أو حديثاً ما كبهائم لا أفهام لها أو حادثاً من صروف الزمان فيفتكرون فيه فيعملون أن القابض والباسط هو الله سبحانه وتعالى.