التبني. كَبُرَتْ كَلِمَةً عظمت مقالتهم هذه في الكفر لما فيها من التشبيه والتشريك، وإيهام احتياجه تعالى إلى ولد يعينه ويخلفه إلى غير ذلك من الزيغ، وكَلِمَةً نصب على التمييز وقرئ بالرفع على الفاعلية والأول أبلغ وأدل على المقصود. تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ صفة لها تفيد استعظام اجترائهم على إخراجها من أفواههم، والخارج بالذات هو الهواء الحامل لها. وقيل صفة محذوف هو المخصوص بالذم لأن كبر ها هنا بمعنى بئس وقرئ «كَبُرَتْ» بالسكون مع الإِشمام. إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً.
[[سورة الكهف (١٨) : آية ٦]]
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦)
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ قاتلها. عَلى آثارِهِمْ إذا ولوا عن الإِيمان، شبهه لما يداخله من الوجد على توليهم بمن فارقته أعزته فهو يتحسر على آثارهم ويبخع نفسه وجداً عليهم. وقرئ «باخع نَّفْسَكَ» على الإِضافة. إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ بهذا القرآن. أَسَفاً للتأسف عليهم أو متأسفاً عليهم، والأسف فرط الحزن والغضب. وقرئ «أن» بالفتح على لأن فلا يجوز إعمال باخِعٌ إلا إذا جعل حكاية حال ماضية.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٧ الى ٨]
إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨)
إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ من الحيوان والنبات والمعادن. زِينَةً لَها ولأهلها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا في تعاطيه، وهو من زهد فيه ولم يغتر به وقنع منه بما يزجي به أيامه وصرفه على ما ينبغي، وفيه تسكين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وَإِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً تزهيد فيه، والجرز الأرض التي قطع نباتها. مأخوذ من الجرز وهو القطع، والمعنى إنا لنعيد ما عليها من الزينة تراباً مستوياً بالأرض ونجعله كصعيد أملس لا نبات فيه.
[[سورة الكهف (١٨) : آية ٩]]
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩)
أَمْ حَسِبْتَ بل أحسبت. أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ في إبقاء حياتهم مدة مديدة. كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً وقصتهم بالإِضافة إلى خلق ما على الأرض من الأجناس والأنواع الفائتة للحصر على طبائع متباعدة وهيئات متخالفة تعجب الناظرين من مادة واحدة، ثم ردها إليها ليس بعجيب مع أنه من آيات الله كالنزر الحقير. والْكَهْفِ الغار الواسع في الجبل. والرَّقِيمِ اسم الجبل أو الوادي الذي فيه كهفهم، أو اسم قريتهم أو كلبهم. قال أمية بن أبي الصلت:
وَلَيْسَ بِهَا إِلاَّ الرَّقِيمُ مُجَاوِرا ... وَصَيْدَهُمُو وَالقَوْمُ فِي الكَهْفِ هُجّدٌ
أو لوح رصاصي أو حجري رقمت فيه أسماؤهم وجعل على باب الكهف. وقيل أصحاب الرقيم قوم آخرون كانوا ثلاثة خرجوا يرتادون لأهلهم، فأخذتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة وسدت بابه.
فقال أحدهم اذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله يرحمنا ببركته، فقال أحدهم: استعملت أجراء ذات يوم فجاء رجل وسط النهار وعمل في بقيته مثل عملهم فأعطيته مثل أجرهم، فغضب أحدهم وترك أجره فوضعته في جانب البيت، ثم مر بي بقر فاشتريت به فصيلة فبلغت ما شاء الله، فرجع إلي بعد حين شيخاً ضعيفاً لا أعرفه وقال: إن لي عندك حقاً وذكره لي حتى عرفته فدفعتها إليه جميعاً، اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا، فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء. وقال آخر: كان فِيَّ فضل وأصابت الناس شدة، فجاءتني امرأة فطلبت مني معروفاً فقلت: والله ما هو دون نفسك فأبت وعادت ثم رجعت ثلاثاً، ثم ذكرت لزوجها فقال أجيبي له وأغيثي عيالك، فأتت وسلمت إلي نفسها فلما تكشفتها وهممت بها ارْتَعَدَتْ فقلت: ما لكِ قالت أخاف الله،