للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في إظهار الحق حتى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله تعالى. ثم الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته. ولك أن تقول المنعم عليهم هم العارفون بالله وهؤلاء إما أن يكونوا بالغين درجة العيان أو واقفين في مقام الاستدلال والبرهان. والأولون إما أن ينالوا مع العيان القرب بحيث يكونون كمن يرى الشيء قريباً وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو لا فيكونون كمن يرى الشيء بعيداً وهم الصديقون، والآخرون إما أن يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة وهم العلماء الراسخون في العلم الذين هم شهداء الله في أرضه، وإما أن يكون بأمارات وإقناعات تطمئن إليها نفوسهم وهم الصالحون. وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً في معنى التعجب، ورَفِيقاً نصب على التمييز أو الحال ولم يجمع لأنه يقال للواحد والجمع كالصديق، أو لأنه أريد وحسن كل واحد منهم رفيقاً.

روي أن ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتاه يوماً وقد تغير وجهه ونحل جسمه، فسأله عن حاله فقال: ما بي من وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك لأني عرفت أنك ترتفع مع النبيين وإن أدخلت الجنة كنت في منزل دون منزلك، وإن لم أدخل فذاك حين لا أراك أبداً) فنزلت.

ذلِكَ مبتدأ إشارة إلى ما للمطيعين من الأجر ومزيد الهداية ومرافقة المنعم عليهم، أو إلى فضل هؤلاء المنعم عليهم ومزيتهم. الْفَضْلُ صفته. مِنَ اللَّهِ خبره أو الفضل خبره ومن الله حال والعامل فيه معنى الإِشارة. وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً بجزاء من أطاعه، أو بمقادير الفضل واستحقاق أهله.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٧١ الى ٧٢]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ تيقظوا واستعدوا للأعداء، والحذر والحذر كالأثر والأثر. وقيل ما يحذر به كالحزم والسلاح. فَانْفِرُوا فاخرجوا إلى الجهاد. ثُباتٍ جماعات متفرقة، جمع ثبة من ثبيت على فلان تثبية إذا ذكرت متفرق محاسنه ويجمع أيضاً على ثبين جبراً لما حذف من عجزه. أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً مجتمعين كوكبة واحدة، والآية وإن نزلت في الحرب لكن يقتضي إطلاق لفظها وجوب المبادرة إلى الخيرات كلها كيفما أمكن قبل الفوات.

وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ الخطاب لعسكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المؤمنين منهم والمنافقين والمبطئون منافقوهم تثاقلوا وتخلفوا عن الجهاد، من بطأ بمعنى أبطأ وهو لازم أو ثبطوا غيرهم كما ثبط ابن أبي ناساً يوم أحد، من بطأ منقولاً من بطؤ كثقل من ثقل واللام الأولى للابتداء دخلت اسم إن للفصل بالخبر، والثانية جواب قسم محذوف والقسم بجوابه صلة من والراجع إليه ما استكن في ليبطئن والتقدير: وإن منكم لمن أقسم بالله ليبطئن. فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ كقتل وهزيمة. قالَ أي المبطئ. قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً حاضراً فيصيبني ما أصابهم.

[[سورة النساء (٤) : آية ٧٣]]

وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣)

وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ كفتح وغنيمة. لَيَقُولَنَّ أكده تنبيهاً على فرط تحسره، وقرئ بضم اللام إعادة للضمير إلى معنى مِنَ. كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ اعتراض بين الفعل ومفعوله وهو. يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً للتنبيه على ضعف عقيدتهم، وأن قولهم هذا قول من لا مواصلة بينكم وبينه، وإنما يريد أن يكون معكم لمجرد المال، أو حال من الضمير في ليقولن أو داخل في المقول أي يقول المبطئ لمن يبطئه من المنافقين، وضعفه المسلمين تضريباً وحسداً، كأن لم يكن بينكم وبين محمد صلّى الله عليه وسلّم مودة

<<  <  ج: ص:  >  >>