للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ رحمته التي سكنوا بها وأمنوا. عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ الذين انهزموا وإعادة الجار للتنبيه على اختلاف حاليهما. وقيل هم الذين ثبتوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يفروا.

وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها بأعينكم أي الملائكة وكانوا خمسة آلاف أو ثمانية أو ستة عشر على اختلاف الأقوال. وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالقتل والأسر والسبي. وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ أي ما فعل بهم جزاء كفرهم في الدنيا.

ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ منهم بالتوفيق للإسلام. وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يتجاوز عنهم ويتفضل عليهم.

روي (أن ناسا منهم جاءوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسلموا وقالوا: يا رسول الله أنت خير الناس وأبرهم وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا. وقد سبي يومئذ ستة آلاف نفس وأخذ من الابل والغنم ما لا يحصى. فقال صلّى الله عليه وسلّم: اختاروا إما سباياكم وإما أموالكم؟ فقالوا ما كنا نعدل بالأحساب شيئاً فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: إن هؤلاء جاءوا مسلمين وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئاً فمن كان بيده سبي وطابت نفسه أن يرده فشأنه ومن لا فليعطنا وليكن قرضاً علينا حتى نصيب شيئاً فنعطيه مكانه فقالوا:

رضينا وسلمنا فقال: إني لا أدري لعل فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا إلينا فرفعوا أنهم قد رضوا) .

[[سورة التوبة (٩) : آية ٢٨]]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ لخبث باطنهم أو لأنه يجب أن يجتنب عنهم كما يجتنب عن الأنجاس، أو لأنهم لا يتطهرون ولا يتجنبون عن النجاسات فهم ملابسون لها غالباً. وفيه دليل على أن ما الغالب نجاسته نجس. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن أعيانهم نجسة كالكلاب. وقرئ «نَجْسٌ» بالسكون وكسر النون وهو ككبد في كبد وأكثر ما جاء تابعاً لرجس. فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ لنجاستهم، وإنما نهى عن الاقتراب للمبالغة أو للمنع عن دخول الحرم. وقيل المراد به النهي عن الحج والعمرة لا عن الدخول مطلقاً وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى وقاس مالك سائر المساجد على المسجد الحرام في المنع، وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع. بَعْدَ عامِهِمْ هذا يعني سنة بَرَاءة وهي التاسعة.

وقيل سنة حجة الوداع. وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فقراً بسبب منعهم من الحرم وانقطاع ما كان لكم من قدومهم من المكاسب والأرفاق. فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من عطائه أو تفضله بوجه آخر وقد أنجز وعده بأن أرسل السماء عليهم مدراراً ووفق أهل تبالة وجرش فأسلموا وامتاروا لهم، ثم فتح عليهم البلاد والغنائم وتوجه إليهم الناس من أقطار الأرض. وقرئ «عائلة» على أنها مصدر كالعافية أو حال. إِنْ شاءَ قيده بالمشيئة لتنقطع الآمال إلى الله تعالى ولينبه على أنه تعالى متفضل في ذلك وأن الغني الموعود يكون لبعض دون بعض وفي عام دون عام. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بأحوالكم. حَكِيمٌ فيما يعطي ويمنع.

[[سورة التوبة (٩) : آية ٢٩]]

قاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩)

قاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ أي لا يؤمنون بهما على ما ينبغي كما بيناه في أول «البقرة» فإن إيمانهم كلا إيمان. وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ما ثبت تحريمه بالكتاب والسنة وقيل رسوله هو الذي يزعمون اتباعه والمعنى أنهم يخالفون أصل دينهم المنسوخ اعتقاداً وعملاً. وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ الثابت الذي هو ناسخ سائر الأديان ومبطلها. مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بيان للذين لا يؤمنون. حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>