للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طريقه في البحر مسلكاً من قوله وَسارِبٌ بِالنَّهارِ. وقيل أمسك الله جرية الماء على الحوت فصار كالطاق عليه، ونصبه على المفعول الثاني وفي البحر حال منه أو من السبيل ويجوز تعلقه باتخذ.

فَلَمَّا جاوَزا مجمع البحرين. قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا ما نتغدى به. لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً قيل لم ينصب حتى جاوز الموعد فلما جاوزه وسار الليلة والغد إلى الظهر ألقي عليه الجوع والنصب. وقيل لم يعي موسى في سفر غيره ويؤيده التقييد باسم الإشارة.

[[سورة الكهف (١٨) : آية ٦٣]]

قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣)

قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا أرأيت ما دهاني إذ أوينا. إِلَى الصَّخْرَةِ يعني الصخرة التي رقد عندها موسى.

وقيل هي الصخرة التي دون نهر الزيت. فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ فقدته أو نسيت ذكره بما رأيت منه. وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان فإن أَنْ أَذْكُرَهُ بدل من الضمير، وقرئ «أن أذكركه» . وهو اعتذار عن نسيانه بشغل الشيطان له بوساوسه، والحال وإن كانت عجيبة لا ينسى مثلها لكنه لما ضرى بمشاهدة أمثالها عند موسى وألفها قل اهتمامه بها، ولعله نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار وانجذاب شراشره إلى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة، وإنما نسبه إلى الشيطان هضماً لنفسه أو لأن عدم احتمال القوة للجانبين واشتغالها بأحدهما عن الآخر يعد من نقصان. وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً سبيلاً عجباً وهو كونه كالسرب أو اتخاذ عجباً، والمفعول الثاني هو الظرف وقيل هو مصدر فعله المضمر أي قال في آخر كلامه، أو موسى في جوابه عجباً تعجباً من تلك الحال. وقيل الفعل لموسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦٤ الى ٦٥]

قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥)

قالَ ذلِكَ أي أمر الحوت. مَا كُنَّا نَبْغِ نطلب لأنه أمارة المطلوب. فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما فرجعا في الطريق الذي جاءا فيه. قَصَصاً يقصان قصصاً أي يتبعان آثارهما اتباعاً، أو مقتصين حتى أتيا الصخرة.

فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا الجمهور على أنه الخضر عليه السلام واسمه بليا بن ملكان، وقيل اليسع، وقيل إلياس. آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا هي الوحي والنبوة. وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً مما يختص بنا ولا يعلم إلا بتوفيقنا وهو علم الغيوب.

[[سورة الكهف (١٨) : آية ٦٦]]

قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦)

قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ على شرط أن تعلمني، وهو في موضع الحال من الكاف.

مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً علماً ذا رشد وهو إصابة الخير، وقرأ البصريان بفتحتين وهما لغتان كالبخل والبخل، وهو مفعول تُعَلِّمَنِ ومفعول عُلِّمْتَ العائد المحذوف وكلاهما منقولان من علم الذي له مفعول واحد، ويجوز أن يكون رشداً علة لأتبعك أو مصدراً بإضمار فعله، ولا ينافي نبوته وكونه صاحب شريعة أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطاً في أبواب الدين، فإن الرسول ينبغي أن يكون أعلم ممن أرسل إليه فيما بعث به من أصول الدين وفروعه لا مطلقاً، وقد راعى في ذلك غاية التواضع والأدب، فاستجهل نفسه واستأذن أن يكون تابعاً له، وسأل منه أن يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>