النار مؤفي القوى والحواس. مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ سكن لهبها بأن أكلت جلودهم ولحومهم. زِدْناهُمْ سَعِيراً توقداً بأن نبدل جلودهم ولحومهم فتعود ملتهبة مستعرة، كأنهم لما كذبوا بالإِعادة بعد الإِفناء جزاهم الله بأن لا يزالوا على الإِعادة والإِفناء وإليه أشار بقوله:
ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً لأن الإِشارة إلى ما تقدم من عذابهم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٩ الى ١٠٠]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠)
أَوَلَمْ يَرَوْا أو لم يعلموا. أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ فإنهم ليسوا أشد خلقاً منهن ولا الإعادة أصعب عليه من الإبداء. وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لاَّ رَيْبَ فِيهِ هو الموت أو القيامة. فَأَبَى الظَّالِمُونَ مع وضوح الحق. إِلَّا كُفُوراً إلا جحوداً.
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي خزائن رزقه وسائر نعمه، وأنتم مرفوع بفعل يفسره ما بعده كقول حاتم: لو ذات سوار لطمتني. وفائدة هذا الحذف والتفسير المبالغة مع الإِيجاز والدلالة على الاختصاص. إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ لبخلتم مخافة النفاد بالإنفاق إذ لا أحد إلا ويختار النفع لنفسه ولو آثر غيره بشيء فإنما يؤثره لعوض يفوقه فهو إذن بخيل بالإضافة إلى جود الله تعالى وكرمه هذا وإن البخلاء أغلب فيهم. وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً بخيلاً لأن بناء أمره على الحاجة والضنة بما يحتاج إليه وملاحظة العوض فيما يبذله.
[[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٠١]]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وانفجار الماء من الحجر وانفلاق البحر ونتق الطور على بني إسرائيل. وقيل الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الثلاثة الأخيرة.
وعن صفوان أن يهودياً سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عنها فقال: أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التى حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لاَ تَعْدُواْ فِي السبت، فقبل اليهودي يده ورجله.
فعلى هذا المراد بالآيات الأحكام العامة للملل الثابتة في كل الشرائع، سميت بذلك لأنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها في الآخرة من السعادة أو الشقاوة.
وقوله وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا
، حكم مستأنف زائد على الجواب ولذلك غير فيه سياق الكلام. فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فقلنا له سلهم من فرعون ليرسلهم معك، أو سلهم عن حال دينهم ويؤيده قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «فسأَل» على لفظ المضي بغير همز وهو لغة قريش وإِذْ متعلق بقلنا أو سأل على هذه القراءة أو فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم، أو عن الآيات ليظهر للمشركين صدقك أو لتتسلى نفسك، أو لتعلم أنه تعالى لو أتى بما اقترحوا لأصروا على العناد والمكابرة كمن قبلهم، أو ليزداد يقينك لأن تظاهر الأدلة يوجب قوة اليقين وطمأنينة القلب وعلى هذا كان إِذْ نصبا ب آتَيْنا أو بإضمار يخبروك على أنه جواب الأمر، أو بإضمار اذكر على الاستئناف. فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً سحرت فتخبط عقلك.